صفوه التفاسير (صفحة 1151)

القبور ينظرون ماذا يُؤمرون {وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا} أي وأضاءت أرض المحشر بنور الله يوم القيامة، حين تجلى الباري جلا وعلا لفصل القضاء بين العباد {وَوُضِعَ الكتاب} أي أحضرت صحائف أعمال الخلائق للحساب {وَجِيءَ بالنبيين والشهدآء} أي وجيء بالأنبياء ليسألهم رب العزة عما أجابتهم به أممهم، وبالشهداء وهم الحفظة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وقال السدي: هم الذين استشهدوا في سبيل الله {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق} أي وقَضي بين العباد جميعاً بالقسط والعدل {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي وهم في الآخرة لا يظلمون شيئاً من أعمالهم، لا بنقص ثواب، ولا بزيادة عقاب قال ابن جبير: لا يُنقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} أي جوزي كل إنسان بما عمل من خير أو شر {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} أي هو تعالى أعلم بما عمل كل إنسان، ولا حاجة به إلى كتاب ولا إلى شاهد، ومع ذلك تشهد الكتب إلزاماً للحجة.

. ثم فصَّل تعالى مآلٍ من الأشقياء والسعداء فقال {وَسِيقَ الذين كفروا إلى جَهَنَّمَ زُمَراً} أي وسيق الكفرة المجرمون إلى نار جهنم جماعاتٍ جماعات، كما يساق الأشقياء في الدنيا إلى السجون {حتى إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} أي حتى إذا وصلوا إليها فتحت أبواب جهنم فجأة لتستقبلهم {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} ؟ أي وقال لهم خزنة جهنم تقريعاً وتوبيخاً: ألم يأتكم رسلٌ من البشر يتلون عليكم الكتب المنزلة من السماء؟ {وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا} ؟ أي ويخوفونكم من شر هذا اليوم العصيب؟ {قَالُواْ بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين} أي قالوا بلى قد جاءونا وأنذرونا، وأقاموا علينا الحجج والبراهين، ولكننا كذبناهم وخالفانهم لما سبق لنا من الشقاوة قال القرطبي: وهذا اعتراف منهم بقيام الحجة عليهم، والمراد بكلمة العذاب قوله تعالى {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [هود: 119] {قِيلَ ادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أي قيل لهم ادخلوا جهنَّم لتصلوا سعيرها ماكثين فيها أبداً، بلا زوال ولا انتقال {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} أي فبئس المقام والمأوى جهنم للمتكبرين عن الإِيمان بالله وتصديق رسله {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً} أي وسيق الأبرار المتقون لله إلى الجنة جماعاتٍ جماعات راكبين على النجائب قال القرطبي: سوقُ أهل النار طردُهم إليها بالخزي والهوان، كما يفعل بالمجرمين الخارجين على السلطان، وسوقُ أهل الجنان سوقُ مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان، لأنه لا يُذبهم بهم إلا راكبين، كما يفعل بالوافدين على الملوك، فشتَّان ما بين السوقين {حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} أي حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابُها كقوله تعالى {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} [ص: 50] قال الصاوي: والحكمةُ في زيادة الواو هنا «فُتحت» دون التي قبلها، أن أبواب السجون تكون مغلقة إلى أن يجيئها أصحاب الجرائم، فتفتح لهم ثم تُغلق عليهم، بخلاف أبواب السرور والفرح فإنها تفتح انتظاراً لمن يدخلها فناسب دخول الواو هنا دون التي قبلها {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ} أي وقال لهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015