والأرض} أي بيده جل وعلا مفاتيح خزائن كل الأشياء، لا يملك أمرها ولا يتصرف فيها غيره قال ابن عباس: «مقاليد» مفاتيح، وقال السدي: خزائن السمواتِ والأرض بيده {والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله أولئك هُمُ الخاسرون} أي والذين كذَّبوا بآيات القرآن الظاهرة، والمعجزات الباهرة، أولئك هم الخاسرون أشدَّ الخسران {قُلْ أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} ؟ أي قل يا محمد أتأمرونني أن أعبد غير الله بعد سطوع الآيات والدلائل على وحدانيته يا أيها الجاهلون؟ قال ابن كثير: إن المشركين من جهلهم دعو رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى عبادة آلهتهم، ويعبدوا معه إلهَه فنزلت الآية {وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} اللام موطئة للقسم أي واللهِ لقد أوحي إليك وإلى الأنبياء قبلك {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أي لئن أشركت يا محمد ليبطلنَّ ويفسدنَّ عملك الصالح {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} أي ولتكونَنَّ في الآخرة من جملة الخاسرين بسبب ذلك.
. وهذا على سبيل الفرض والتقدير، وإلاّ فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد عصمه الله، وحاشا له أن يشرك بالله، وهو الذي جاء لإقامة صرح الإِيمان والتوحيد قال أبو السعود: والكلام ورادٌ على طريقة الفرض لتهييج الرسل، وإقناط الكفرة، والإِيذان بغاية شناعة الإِشراك وقبحه {بَلِ الله فاعبد} أي أخلص العبادة لله وحده، ولا تعبد أحداً سواه. {وَكُن مِّنَ الشاكرين} أي وكن من الشاكرين لإِنعام ربك {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي وما عرفوا الله حق معرفته، إذ أشركوا معه غيره، وساووا بينه وبين الحجر والخشب في العبادة. . ثم نبههم على عظمته وجلالة شأنه فقال {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة} الجملة حالية والمعنى ما عظَّموه حقَّ تعظيمه والحال أنه موصوف بهذه القدرة الباهرة، التي هي غاية العظمة والجلال، فالأرضُ مع سعتها وبسطتها يوم القيامة تحت قبضته وسلطانه {والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} أي والسموات مضموات ومجموعات بقدرته تعالى قال الزمخشري: والغرضُ من هذا الكلام تصويرُ عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهابٍ بالقبضة واليمين إلى جهة وفي الحديث «يقبضُ اللهُ تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملكُ أين ملوكُ الأرض؟» {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزَّه الله وتقدس عما يصفه به المشركومن من صفاتِ العجز والنقص، ثم ذكر تعالى أهوال الآخرة فقال {وَنُفِخَ فِي الصور} هو قرنٌ ينفخ فيه إسرافيل علهي السلام بأمر الله، والمراد بالنفخة هنا «نفخة الصَّعق» التي تكون بعد نفخة الفزع قال ابن كثير: وهي النفخة الثانية التي يموت بها الأحياء من أهل السمواتِ والأرض {فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض} أي فخَّر ميتاً كل من في السموات والأرض {إِلاَّ مَن شَآءَ الله} أي إلاَّ من شاء الله بقاءه كحملة العرض، والحور العين والولدان {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} أي نُفخ فيه نفخةٌ أخرى وهي نفخةُ الإِحياء {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} أي فإِذا جمع الخلائق الأموات يقومون من