المفسرون: وقد يكنى بها عن المرأة فيكون الغرض أن عنده تسعاً وتسعين امرأةً وعندي امرأة واحدة {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أي ملكنها واجعلها تحت كفالتي {وَعَزَّنِي فِي الخطاب} أي غلبني في الخصومة، وشدَّد عليَّ في القول وأغلظ {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ} أي قال له داود لقد ظلمك بهذا الطلب حين أراد انتزاع نعجتك منك ليكمل ما عنده إلى مائة {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الخلطآء ليبغي بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} أي وإن الكثيرين من الشركاء ليتعدى بعضُهم على بعض {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} إي إلا المؤمنين الذين يعملون الصالحات فإنهم لا يبغون وهم قليل {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} أي علم وأيقن أنما اختبرناه بهذه الحادثة وتلك الحكومة {فاستغفر رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} أي طلب المغفرة من الله وخرَّ ساجداً لله تعالى، ورجع إليه بالتوبة والندم على ما فرط منه قال أبو حيان: وذكر المفسرون في هذه القصة أشياء لا تناسب مناصب الأنبياء، ضربنا عن ذكرها صفحاً، والذي يدل عليه ظاهر الآية من أن المتسورين المحراب كانوا من الإِنس، دخلوا عليه من غير المدخل وفي غير وقت جلوسه للحكم، وأنه فزع منهم ظناً منه أنهم يغتالونه إذا كان منفرداً في محرابه لعبادة ربه، فلما اتضح له أنهم جاءوا في حكومة، وبرز منهم اثنان للتحاكم كما قصَّ الله تعالى فاستغفر من ذلك الظن، وخرَّ ساجداً لله عَزَّ وَجَلَّ، ونحن نعلم قطعاً أن الأنبياء معصومون من الخطايا، إذ لو جوزنا عليهم شيئاً من ذلك لبطلت الشرائع ولم نثق بشيء مما يذكرون، فما حكى الله في كتابه يُمرُّ على ما أراده الله، وما حكى القُصَّاص مما فيه غضٌ من منصب النبوة طرحناه ثم قال تعالى {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} أي فسامحناه وعفونا عنه ذلك الظن السيء بالرجلين قال ابن كثير: أي غفرنا له ما كان منه مما يقال فيه: «حسناتُ الأبرار سيئات المقربين» {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} وإنَّ له لقربةً وكرامة بعد المغفرة {وَحُسْنَ مَآبٍ} أي وحسن مرجع في الآخرة {ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض} أي استخلفناك على الناس لتدبير شئونهم ومصالحهم {فاحكم بَيْنَ الناس بالحق} اي فاحكم بينهم بالعدل وبشريعة الله التي أنزلها عليك {وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله} أي لا تتَّبع هوى النفس في الحكومات وغيرها فيضلك اتباع الهوى عن دين الله القويم، وشرعه المستقيم {إِنَّ الذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ} أي إن الذين ينحرفون عن دين الله وشرعه لهم عذاب شديد يوم القيامة {بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الحساب} أي بسبب نسياهم وتركهم سلوك سبيل الله، وعدم إيمانهم بيوم الحساب، لأنهم لو آمنوا به لأعدوا الزاد ليوم المعاد، قال أبو حيان: وجعلُه تعالى داود خليفةً في الأرض يدلُ على مكانته عليه السلام واصطفائه له، ويدفع في صدر من نسب إليه شيئاً مما لا يليق بمنصب النبوة.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1 - المجاز المرسل {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} القرن مائة عام والهلاك لأهله ففيه مجاز.