إلى حدٍ لم يستوفه بالصفة إلا عبد الملك بن إدريس الكاتب المعروف بالجزيرى، حين سجنه بها المنصور بن أبي عامر، فقال يصف حاله هناك من قصيدةٍ طويلةٍ مشهورةٍ كامل:
في رأس أجرد شاهقٍ عالي الذرى ... ما بعده لمؤملٍ من ممصر
يهوى إليه كل أعور ناعق ... وتهب فيه كل ريحٍ صرصر
ويكاد من يرقى إليه مرةً ... من دهره يشكو انقطاع الأبهر
وأول هذا الشعر:
ألوى بعزم تجلدى وتصبرى ... نأى الأحبة واعتماد تذكر
شحط المزار فلا مزار ونافرت ... عينى الهجوع فلا خيال يعترى
وقصرت عنهم فاقتصرت على جوى ... لم يدع بالواني ولا بالمقصر
ومن أهل طرطوشة، الفقيه الإمام الزاهد، أبو الوليد الطرطوشى الفهرى؛ نزل الإسكندرية، صاحب التعلقة في الخلاف، وكتاب الحوادث والبدع وغير ذلك؛ سكن بغداد، وتفقه على أبي بكر الشاشى، وسمع بها الحديث وهو مالكى المذهب.
قالوا: وزهده أكثر من علمه، وانتفع به جماعة، وانجلب إليه أكثر من مائتي فقيهٍ مفتٍ؛ ومن كبار أصحابه أبو الطاهر بن عوف، وسند بن عنان الأزدى؛ وعاصر الغزالي، وله في إحيائه كلام، وكان منحرفاً عنه، سيئ الاعتقاد فيه وكانت وفاته بعد العشر والخمسمائة.
بالأندلس، بينها وبين لاردة خمسون ميلاً. وطر كونة مدينة أزلية، قاعدة من