لقد ضرب لنا موسى عليه السلام أروع الأمثلة في الهمة العالية، فبعد أن سمع صوت الله جل في علاه عندما ناداه {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]، هذا من الهمة العالية؛ لأنه بعدما سمع هذا الصوت قال: إن كان هذا الجمال في الصوت فجمال الرؤيا أمتع وأشد وقعاً علي، فطلب بهمة عالية رؤية الله جل في علاه، لكن حال بينه وبين هذه الرؤية أن الله كتب ألا يراه أحدٌ في هذه الدنيا، ونطمع بإذن الله أن نرى ربنا في الآخرة، وكل بحسب إيمانه.
همة عالية أيضاً في الدعوة إلى الله جل في علاه، أما رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكة بأسرها تتكالب عليه وتتهمه بالجنون، وتضرب عليه بيد من حديد وتريد قتله، بل بعد ذلك ساومته ليتملك مكة بأسرها من مال وجاه ونساء وهو لا يرضى بذلك، ولا يرضى بدعوة الله جل في علاه بديلاً.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الهمة العالية ما مات حتى أتم الله عليه الشريعة بأكملها، وبلغ عن الله أتم البلاغ، وبين عن الله أتم البيان صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال في خطبة الوداع: (خذوا عني مناسككم، خذوا عني مناسككم، ثم قال: أترون أني قد بلغت؟ ثم جعل يرفع إصبعه يشير بها إلى السماء ثم ينكسها ويقول: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد).
همة عالية في نشر دعوة الله جل في علاه، رجل واحد غير الله به الدنيا بأسرها مشارقها ومغاربها، وأصبح هذا الدين هو الدين الحق، وأصبحت الأمة الإسلامية هي أفضل أمة عند الله وكفى بهذه الأمة فخراً وشرفاً وعلواً أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الآخرون السابقون)، أي: سابقون في القضاء، وعبور الصراط، ودخول الجنة.
وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا الهمة العالية من رسول الله صلى الله عليه وسلم متأثرين بصفة العلو لله جل في علاه، فأنا أهيب بنفسي وبإخوتي أن يتمثلوا بذلك ويتدبروا هذه الصفة، فإن كان طالباً للعلم فعليه أن يكون من أصحاب الهمم العالية، إن كان حافظاً للقرآن فعليه أن يكون من أصحاب الهمم العالية، إن كان داعياً إلى الله فعليه أن يكون من أصحاب الهمم العالية.