هناك قصة تبين لنا كيف أن الله يميز بين عباده، ويفرق بين من يتقن صفات الله ويتقن التعبد بها ممن لا يتقن ذلك، فقد كان هناك ثلاثة من بني إسرائيل: أقرع وأبرص وأعمى، ولكي يبين الله لنا كيف نعتقد فيه حق الاعتقاد، ثم نتعبد له حق التعبد جاء الملك إلى هؤلاء الثلاثة فقال للأول -وكان أصلع-: ماذا تطلب؟ فقال الأصلع: أطلب شعراً أتزين به أمام الناس، فمنحه الله شعراً جميلاً، ثم جاء إلى الأعمى وقال: ماذا تطلب؟ قال: أريد البصر، فرد الله عليه بصره، ثم جاء إلى الأبرص فقال له: ماذا تطلب؟ قال: أطلب جلداً طيباً؛ فقد قذرني الناس مما أنا فيه، فأبدله الله جلداً طيباً، وأذهب عنه البرص.
وقال هذا الملك لكل واحد من الثلاثة: أي المال أحب إليك؟ فقال أحدهم: الإبل، وقال الثاني: البقر، وقال الثالث: الغنم، فأعطى كل واحد منهم ما تمنى، حتى صار للثلاثة واد من الإبل وواد من البقر وواد من الغنم.
ثم جاء الملك على صورة رجل فقير فقال للأول: اعطني مما أعطاك الله؟ فنظر إليه فقال: الحقوق كثيرة، ولم يعطه شيئاً، فقال: كأني أعلم أنك كنت قد قذرك الناس، وكنت فقيراً، فقال له: إني ورثت هذه المال كابراً عن كابر، وجحد بأولية الله جلا في علاه، ونسي أن تلك النعم هي أولاً من الله، وتمثل فيه قول قارون عندما قال: ((إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)) [القصص:78]، فقال له الملك: صيرك الله إلى ما كنت عليه، فأذهب الله جل وعلا عنه ذلك المال، وعاد إلى ما كان عليه من البرص.
ثم جاء الملك إلى الثاني فقال له: أعطني مما أعطاك الله، فقال: الحقوق كثيرة، وجحد بأولية الله، فقال له الملك: كنت أراك رجلاً أصلع والناس يتقززون منك، وقد أعطاك الله ما أنت فيه، قال: إنما ورثت ذلك كابراً عن كابر، فقال: صيرك الله إلى ما كنت عليه إن كنت كاذباً، فصيره الله إلى ما كان عليه من قبل.
ثم جاء إلى الثالث وقال مثلما قال للأول والثاني، فقال: نعم، إني كنت فقيراً فأغناني الله، وكنت مريضاً فشفاني الله، وانظر إلى هذا الوادي فأي المال أحببت فخذ ما شئت منه.
فتعبد الله بأوليته، وأقر بأن هذه النعم إنما هي من الله وحده، فدعا له الملك، وثبت الله له هذا الخير.
ومن جحد نعم الله عليه فلا يلومن إلا نفسه، ومن شكر فإن الله يشكره، ومن أعطى فإن الله يعطيه، ويخلف عليه.
فينبغي على الإنسان أن يجلس مع نفسه، ويمعن النظر متدبراً في صفات الله، وليحاسب نفسه على هذه النعم التي أنعم الله بها عليه، وليشكر الله تعالى على هذه النعم، فإن هذه النعم ابتداءً هي من الله لا من غيره، ولذلك جاء في الإسرائيليات أن أحد أبناء بني إسرائيل كان يتضرع إلى الله ويقول: كيف أشكرك والشكر منك نعمة فتسلسل الشكر ليس مني، بل هو منك يا الله.
إذاً: الصفة الأولى من الصفات الذاتية التي لا بد لكل امرئ أن يتدبرها ويتعبد بها لله هي الأولية.