وأبدأ بالتركيز على الحجة الشيطانية التي تساءل فيها عن علة وجود المصدر الأول للأشياء، وزعم فيها أن إحالة المؤمنين ذلك على الله تبارك وتعالى يساوي نظرياً وقوف الملحدين عن السديم، الذي اعتبروه المادة الأولى لهذا الكون، وزعم أن كلا الفريقين لا يجد جواباً إلا أن يقول: لا أعرف إلا أن وجود هذا الأصل غير معلول، وزعم أن الملحد اعترف بهذا قبل المؤمن بخطوة واحدة، ثم خادع بأن إعلان الجهل والاعتراف به من متطلبات الأمانة الفكرية حين لا توجد أدلة وشواهد وبراهين كافية.

ولدى البحث المنطقي الهادئ، يتبين لكل ذي فكر صحيح، أن هذه الحجة التي ساقها ليست إلا مغالطة من المغالطات الفكرية، وهذه المغالطة قائمة على التسوية بين أمرين متباينين تبايناً كلياً، ولا يصح التسوية بينهما في الحكم. وفيما يلي تعرية تامة لهذه المغالطة من كل التلبيسات التي جللها بها.

فإذا وضعنا هذه المغالطة بعبارتها الصحيحة كانت كالتالي: ما دام الموجود الأزلي غير معلول الوجود فلم لا يكون الموجود الحادث غير معلول الوجود أيضاً؟

وكل ذي فكر صحيح سليم من الخلل يعلم علم اليقين أنه لا يصح أن يُقاس الحادث على القديم الأزلي الذي لا أول له، فلا يصح أن يشتركا بناء على ذلك في حكم واحد.

وعلى هذه الطريقة من القياس الفاسد من أساسه صنع مغالطته الجدلية. والملحدون حين يصنعون مثل هذا الاستدلال الفاسد يسارعون إلى ستر فساد أدلتهم بعبارات التقدم العلمي، والمناهج العلمية، والتقدم الصناعي، والمناهج العقلية في تقصي المعرفة، والاتجاهات الثورية في المجتمع والاقتصاد، ويخلطون هذه العبارات خلطاً، ويحشرونها في كل مكان ومع كل مناقشة، تمويهاً وتضليلاً، كأن التقدم العلمي والصناعي للإلحاد وحده، وليس للإيمان، مع أن الدنيا جميعها وما فيها من ماديات قد كانت وما زالت ولن تزال حتى تقوم الساعة للمؤمنين والكافرين وغيرهم على سواء، ضمن سنن الله الثابتة التي لا تتغير، وهي مجال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015