والمشكلة قد تأتي - كما سبق أن أوضحت - من الخطأ في فهم النص الديني الثابت، وفهم النص الديني عمل اجتهادي إنساني، وهذا الفهم الإنساني للنص قد يصيب وقد يخطئ، فإذا أخطأ الاجتهاد في الفهم فليس معنى خطئه أن النص هو المخطئ، ولكن المخطئ هو الإنسان غير المعصوم، الذي اجتهد في فهم معنى النص، وفي هذه الحالة علينا أن نراجع فهمنا للنص، ونعيد تدبُّرنا له، حتى نصل إلى المعنى اليقيني الذي تم الوصول إليه بيقين عن طريق الإدراك الحسي أو الاستدلال العقلي.
ولا يكون التعصب للاجتهاد الذي أخطأ فيه صاحبه إلا خدمة للذين يحاولون بكل ما يستطيعون من جهد أن يثبتوا التناقض بين ما يأتي به الدين، وبين الحقائق التي تأتي بها الوسائل الإنسانية للبحث العلمي، لطعن الدين من أساسه، ونسف قواعده القائمة على الحق، وإشاعة الإلحاد والمادية التي لا تؤمن بالله.
وقد تأتي المشكلة أيضاً من كون النص الديني نصاً غير ثابت ثبوتاً قطعياً، لأنه لم تتوافر له الروايات الصحيحة التي تجعله قطعيّ الثبوت، وبدهي في هذه الحالة أن يكون الدليل الحسي اليقيني أو الدليل العقلي اليقيني أقوى من دليل الخبر الظني الذي لم يبلغ مبلغ القطعية، فإن أمكن تأويل النص أقوى من دليل الخبر الظني الذي لم يبلغ مبلغ القطعية، فإن أمكن تأويل النص بما يتفق مع النتائج اليقينية للأدلة الأخرى أولناه، وإلا أخذنا بالنتائج اليقينية حتماً، وتركنا النص ودلالته، ولا يضرنا هذا في الدين، لأن قبولنا له من الأساس قد كان بصفة ترجيحية لا بصفة قطعية.
فإذا سأل سائل فقال: هل لنا أن نؤول النصوص الدينية أو نخصصها بدليل الحس أو بدليل العقل، حتى تكون دلالتها مطابقة للواقع والحقيقة؟
كان جوابنا بالإيجاب حتماً، وبأن هذا العمل من القواعد المقررة في علوم الشريعة الإسلامية، يقول علماء أصول الفقه في أبواب تخصيص العام: "لا خلاف في جواز تخصيص العموم" ويقررون في أبواب تأويل الظاهر: "أنه يجوز التأويل متى كان دليله أرجح من دليل العمل بالظاهر، ويجب التأويل متى كان دليله دليلاً قاطعاً لا يجوز العدول عنه" ويذكرون من أدلة تخصيص العموم: "دليل الحس،