لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}
ونجده أيضاً في قول الله تعالى في سورة (النحل/16 مصحف/70 نزول) :
{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا? آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذالِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}
فهؤلاء مشركون وجبريون يزعمون أن الله قد شاء لهم أن يشركوا، فأعلن الله أنهم يكذبون في دعواهم.
إن قول المشركين: {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا، ولا حرَّمنا من دونه من شيء} ، مستند إلى ادعاء جبري يتضمن أن الله قد شاء لهم الإشراك به، وشاء لهم عبادة غيره، ولذلك كانوا مشركين به في عقيدتهم وفي عبادتهم، ولذلك كذَّبهم الله في هذا الادعاء، وأوعدهم بالعذاب فقال: {كذلك كذَّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا} وأمر رسوله بأن يطالبهم بالدليل على ما ادعوه، فقال له: {قل: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} ، أي: هل عندكم من خبر عن الله يثبت مدعاكم هذا؟ فإن كان عندكم شيء من ذلك تحتجون به فأخرجوه لنا، ولكنكم في الحقيقة لا تعتمدون في ادعائكم هذا على أي مستند علمي، وإنما تتبعون الظنون الكاذبة التي هي أوهام بعيدة عن الحقيقة، فما أنتم في الحقيقة إلا تخرصون، أي تكذبون.
ثم علَّم الله رسوله أن يقول لهم: {قل: فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} ، أي: إن الله قد شاء أن يمنحكم الإرادة الحرة، ليمتحنكم في حدود ما وهبكم من استطاعة، ولو شاء غير ذلك، أي لو شاء أن يجعلكم مجبرين لا خيرة لكم فيما تقومون به من أعمال لكانت حكمته تقتضي بأن يهديكم أجمعين، وفي هذا حجة عليهم بالغة صميم الحقيقة، ولله الحجة البالغة.