إن المؤمنين يثبتون لله صفات كثيرة من صفات الكمال، بل هم يثبتون له كل صفات الكمال، وينفون عنه كل صفات النقصان، ويستطيعون أن يتصوروا من صفاته على مقدار عقولهم، ويطلقون الحدود دون حصر، إنهم يؤمنون بصفة وجوده الواجب سبحانه، ويحسنون تصور هذه الصفة على مقدار عقولهم، ويؤمنون بصفة قدرته الكاملة القادرة على خلق كل ممكن، ويحسنون تصور هذه الصفة على مقدار عقولهم، ويؤمنون بصفة إرادته واختياره التي تختار من الممكنات ما تشاء، ويحسنون تصور هذه الصفة على مقدار عقولهم، ويؤمنون أيضاً بصفات علمه وسمعه وبصره وصفات أفعاله، ويستطيعون أن يتصوروا من هذه الصفات على مقدار عقولهم، وهكذا إلى كثير من صفاته سبحانه.
فهل هذا هو التجريد المطلق الذي ادَّعاه (د. العظم) كذباً وبهتاناً؟!
ألا يسوغ في منطق العقل أن نؤمن بموجد نعلم كل صفاته التي لها آثار متصلة بنا، من خلق ورزق، وإحياء وإماتة، وعدل وجزاء، ورحمة وعقاب، وغير ذلك دون أن نعلم كنه ذاته وطبيعتها الخاصة؟
إن العلماء الماديين يؤمنون بالجاذبية، وهم لا يعلمون من خصائصها إلا أنها قوة تجذب. إنهم يعتقدون بها، ويتعاملون معها، لمجرد معرفة صفة من صفاتها، دلت على آثارها، فكيف بمن علمنا من صفاته أشياء كثيرة متعلقة بنا؟
يا عجباً لمنطق الملحدين!! إنهم يقيمون علاقات جدية مع أوهام إلحادية، وعلاقات جدية مع قوانين طبيعية لا يعرفون كنه ذاتها، وإنما تظهر لهم بعض آثارها التي تدلهم على بعض صفاتها، ثم يستكبرون عن أن يقيموا علاقات جدية مع الله، الذي يظهر لهم من آثاره أنه قادر عليم، عادل حكيم، خالق رازق، محيي مميت، سميع بصير، نافع ضار، يجازي المحسنين والمسيئين.
وإن تعجب فعجب قولهم وعجب منطقهم.
ثم إن (د. العظم) وجَّه اعتراضاً ثانياً على البناء الفاسد نفسه الذي بناه فقال:
"ثانياً: إذا كان الإله لا يوصف ولا يدرك بالنسبة إلى البشر فما معنى قولنا إذاً