القسم الثاني:
أنباء عن واقع كوني باستطاعة الوسائل الإنسانية أن تصل إلى معرفتها على ما هي عليه في الواقع، ولو بعد حين.
وما جاء في الإسلام من هذا القسم لا يمكن أن يكون مخالفاً للواقع والحقيقة، إلا ضمن احتمالين لا ثالث لهما:
الأول: أن يكون فهم النص الإسلامي من قبل بعض المجتهدين أو المؤولين فهماً خاطئاً.
الثاني: أن يكون النص المنسوب إلى الإسلام نصاً غير صحيح النسبة، كأن يكون خبراً كاذباً، أو ضعيفاً لا يصح الاعتماد عليه، أو خبراً غير قطعي الثبوت، فمن الممكن دخول خطأ فيه من نقل الراوي أو فهمه، إذ يحتمل أنه روى المعنى الذي فهمه هو، ولم يرو اللفظ ذاته الذي أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذا إنما يكون في أحاديث الآحاد فقط، أي: التي لم تبلغ مبلغ التواتر اللفظي أو المعنوي.
إما أن يكون الخبر الإسلامي قطعي الثبوت قطعي الدلالة، ثم يخالف الحقيقة والواقع، فهذا غير موجود حتماً، وليس من الممكن أن يوجد قطعاً.
ولكن هنا قد تقع مغالطة لا بد من التنبيه عليها، وهذه المغالطة تأتي من قبل ما ينسب إلى الحقيقة العلمية، الآتية عن طريق الوسائل الإنسانية البحتة، فكثيراً ما يدعي الماديون أن فرضية من الفرضيات، أو نظرية من النظريات، قد أصبحت حقيقة علمية غير قابلة للنقض أو التعديل، مع أن هذه النظرية لا تملك أدلة إثبات يقينية تجعلها حقيقة نهائية، أو حقيقة مقطوعاً بها ضمن مستواها، وذلك بشهادة العلماء، الذين وضعوا هذه النظرية أو ساهموا في تدعيمها.
ومن أمثلة ذلك الداروينية بالنسبة إلى نشأة الكون وخلق الإنسان، فهي لا تملك أدلة إثبات قاطعة أو شديدة الترجيح، ولكن كثيراً من العلماء الماديين يقبلونها تسليماً اعتقادياً، لا تسليماً علمياً، إذ ليس لديهم اختيار بعدها إلا الإيمان بالخلق الرباني، وهذا أمر لا يجدون أنفسهم الآن مستعدين لقبوله، ما دام منطق الإلحاد هو المسيطر على اعتقادهم في بيئاتهم.