هذا هو الأساس الأول للمعرفة في الفكر الإسلامي.
وبعد هذا الأساس الأول تأتي قاعدة كلية وراءه، وهي أن كل وسيلة صحيحة تعطينا صورة صادقة عن الواقع والحقيقة هي وسيلة يجب الاعتماد عليها، والثقة بها في تحصيل المعرفة، وإذا لم تستطع الوسائل أن تعطينا صورة صادقة عن الواقع والحقيقة بشكل قطعي، فإن الضرورة تدعونا في الواقع الإنساني إلى قبول الصور التي ترجح مطابقتها للواقع بصورة ظنية، وذلك ريثما يأتي ما هو أقوى، أو تأتي الصورة المطابقة للواقع بيقين. والمرجح الأول والأخير دائماً هو الواقع والحقيقة، وبهما تقاس النتائج.
ونجد هذا في أوائل متون العلوم التي كتبها المسلمون، إذ يقررون أن العلم هو الصورة الذهنية المطابقة للواقع، أو هو الإدراك المطابق للواقع، وإذ يقررون أن الصدق هو الكلام المطابق للواقع، وإذ يقرون جواز العلم بالاحتمال الراجح إذا لم يتوافر لنا اليقين.
ومن هذا يتبين لنا أن الواقع على ما هو عليه في حقيقة أمره هو المرجع الأول والأخير للمعرفة في الفكر الإسلامي، وما عدا ذلك مما له صلة باكتساب المعرفة فلا يعدو أنه من قبيل الوسائل التي قد توصل إليها.
وهذا من الأوليات المنطقية في الفكر الإسلامي، المبينة في متون العلوم الإسلامية، والمنصوص عليها في مصادر الشريعة الإسلامية، والمهتدى بهديها فيما استخرجه المسلمون من معارف، وفيما كتبوا فيه من علوم.
* وسائل المعرفة:
أما وسائل التي وضعها الإسلام في منهجه للوصول إلى المعارف فبيانها فيما يلي:
الوسيلة الأولى: هي وسيلة الإدراك الحسي المباشر أو عن طريق الأجهزة، وذلك متى شهد العقل بصحة هذا الإدراك وسلامته من الخلل، فحينما تشهد الحواس الإنسانية ظاهرة كونية وتتوافق الحواس السليمة في إدراكها، تغدو الصورة