(4)
نشأ (فرويد) نشأ يهودية مغلقة، تلقى فيها كل سمات الناشئ اليهودي، في أسرة شديدة التمسك بيهوديتها.
يقول (د. جرجس) : "وإذا شئنا في هذا الصدد الاستعارة من الفكر الفرويدي نفسه، وبالتحديد ما أكده من أهمية السنوات الأولى من حياة الطفل في صياغة شخصيته فيما بعد، لكان جلياً أن المؤثرات الصهيونية التي أحاطت بفرويد منذ نشأته، وأحاطت بأسرته لعدة قرون من قبل أن يولد، صبغت شخصيته وفكره على نحو لم يستطع إخفاءه دائماً".
وقد لا يهمنا تطبيق آرائه ونظرياته عليه كما يقول الكاتب، لكن حياته في الواقع قد كانت فعلاً مشحونة بالشعور بالذاتية اليهودية، ذات السمات المعروفة في عامة اليهود.
يقرر الكاتب المتتبع أن يهودية (فرويد) قد كانت ممتدة إلى الجوانب الثقافية والوجدانية في حياته كلها، ففضلاً عن علاقاته المهنية والشخصية الوثيقة، التي كادت أن تكون مقصورة على أفراد من اليهود، فقد كان أيضاً على معرفة متضلعة بالحياة وبالجوانب العقائدية وبالطقوس اليهودية، كما كان على استيعاب شامل للتاريخ والأدب اليهودي، ولفلسفة اليهود وعاداتهم ونكاتهم وأقوالهم المأثورة، وأن (فرويد) على الرغم من مجاهرته بعدم الإيمان قد كان يهودياً في أعماق وجدانه، وهذا ما جعله شديد الحساسية لأية بادرة يشتبه في اتجاهها المضاد لليهود، وكانت استجابته لجميع هذه المواقف عنيفة أشد العنف، وعلى الرغم من أنه لم يشاهد في حياته أي اضطهاد من أجل يهوديته، إذ ترقى في الدراسة والوظيفة حتى حصل على منصب أستاذ مساعد في الجامعة، إلا أنه كان يشعر بالاضطهاد في داخل نفسه من أجل يهوديته، ولذلك كان ينطوي على نفسه وداخل دائرة من أصدقائه، وكلهم من اليهود، إذ إنه ما كان ليأنس إلى صديق أو يطمئن إليه إلا أن يكون يهودياً.
وكان انتماؤه ليهوديته لا للبلاد التي عاش فيها حياته، وهذا ما صرَّح به هو