من هذه النظرات تبين لنا أن مفتاح الدليل النظري لقضية الإيمان بالآخرة وما فيها من جزاء قول الله تعالى في سورة (المؤمنون/23 مصحف/74 نزول) :
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} .
وقد اهتدينا من هذا المنطلق الفكري الذي نبه عليه مفتاح هذا الدليل النظري إلى أن الإيمان بالآخرة ضرورة أخلاقية، تقتضيها مفاهيم العدل الإلهي والفضل الإلهي.
ومعلوم أن العدل الإلهي والفضل الإلهي من الأسس المرتبطة جذرياً بعقيدة الإيمان بالله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العظمى.
وهذا الدليل النظري القاضي بأن الإيمان باليوم الآخر ضرورة أخلاقية، تقتضيها مفاهيم العدل والفضل الربانيين، قد أعطانا القرآن الكريم عدة مفاتيح إليه، فمن أحسن فهم هذه المفاتيح، وأدرك العلاقة بينها وبين أبوابها النظرية وما ترشد إليه، استطاع أن يجد الدليل العقلي الذي يدلّه على أن من القضايا الحتمية في الوجود قضية اليوم الآخر، لإقامة الجزاء الحق، وتحقيق صفتي العدل والفضل من صفات الله التي قامت عليها براهين العقل.
هذا إنما يظهر في مفاهيم من استطاع أن يتوصل إلى الإيمان بالله وصفاته بالأدلة العقلية والعلمية، وتابع نظره مشوقاً لبلوغ الحقيقة، ولم تقف في نفسه عوائق التعصب أو عوائق الرغبة بالفجور.
ولدى تتبُّع المفاتيح القرآنية لهذا الدليل النظري نستطيع أن نظفر بمجموعة من النصوص منها:
(أ) قول الله تعالى في سورة (القلم/68 مصحف/2 نزول) :
{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}
(ب) وقول الله تعالى في سورة (الجاثية/45 مصحف/65 نزول) :
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ}