{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} .

ولكن قد نجد هذه الفطرة مغشى عليها في نفوس بعض الملحدين، ولهذا الغشاء سبب، فالفطرة هذه لا تنطمس إلا في نفس من بالغ في الانحراف من الناس، بدافع غير أخلاقي، كالكبر والعناد، أو الرغبة بالفجور، والانطلاق في الأهواء والشهوات، مع التهرب من مشاعر العدالة الإلهية، وملاحقة الضمير الديني للسلوك. أو في نفس مُضلَّلٍ لعبت بأفكاره وعبثت بشهواته شياطين الإنس، من ذوي المصلحة الأساسية في نشر الإلحاد والكفر بالله في الأرض. ولكن المشاعر الفطرية لدى هؤلاء وأولئك تظل مكبوتة محرومة من التلبية وتنفيس الكرب الذي يتولد عن الكبت، ثم تحاول التنفيس بطرق غير طبيعية، وهذا التنفيس يظهر في صورة هيستيريا عصبية انفعالية، مع الفن تارة، ومع الخمر والمخدرات تارة أخرى، ومع الانتحار أحياناً، ومع (الهيِّيَّة) أحياناً أخرى، وفي جنون الحرب، وفي جنون الانعزالية والانطوائية، وفي جنون العظمة وادعاء الربوبية، إلى غير ذلك مما لا يحصى.

ومع ذلك فإن هذه الفطرة فقد تتيقظ في نفوس أعتى الكفرة والملاحدة المجرمين، وذلك حينما تشتد عليهم مصائب الحياة، ويقعون في مخاطر محدقة بهم، ولا يجدون وسيلة مادية لدفعها، وهذا ما حصل لفرعون حينما أدركه الغرق فقال: "آمنت برب موسى وهارون آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل".

وهذه صورة تتكرر في حياة الإنسان، كلما أحاطت به شدة لا يجد وسيلة مادية لتفريجها، وقد كشف الله عنها بقوله في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً}

وكشف عنها سبحانه بقوله في سورة (يونس/10 مصحف/51 نزول) :

طور بواسطة نورين ميديا © 2015