وكنت قلت في نفسي قبل أن أقرأ مقولاته بإمعان: لعله باحث أخطأ وجه الصواب، وعاب بانحرافه الحق الذي لا يعاب، ولكني بعد أن قرأت كتابه رأيته نموذجاً من التضليل المراد، القائم على المغالطات والأكاذيب والادِّعاءات الباطلة، وستر وجه الحق الديني الذي تصدى لمحاربته علناً، وتزيين وجه الباطل الإلحادي الذي حمل لواء مناصرته والتبشير به.

وقد كنت قرأت علوم الفلسفة والمنطق والمناظرة، ومررت فيها على ما يسمونه (بالمغالطة) وما يسمون (بالسفسطة) فإذا سئلت عن أمثلة لهما لم ينجدني الخيال إلا بأمثلة محدودة، رغم الكد الذهني الذي أبذله، فلما قرأت مقالات "نقد الفكر الديني" ظفرت منها بأمثلة كثيرة للمغالطات وأنواع السفسطات التي تعمدها كاتبها الناقد (د. العظم) ليضلل بها من يطالع كتابه من مراهقي الفتيان والفتيات، من أجيال الأمة الإسلامية، خدمة متحمسَة للماركسية والداروينية والفرويدية وسائر النظريات بل (الفرضيات) اليهودية الإلحادية، وهو في كل ذلك يتستر بعبارات التقدم العلمي والصناعي، والمناهج العلمية الحديثة، ولا يقدم من البينات إلا قوله مثلاً: إن العلم يرفض هذا، أو لا يسلم بهذا، أو يثبت هذا، دون أ، يطرح مناقشات علمية نقدية تتحرى الحقيقة.

فمن غريب ما فعل في منطقه الشاذ أنه جمع كل الأديان، وكل ما فيها من حق وباطل، وكل ما نسب إليها من ضعيف وقوي وفاسد وصحيح، وقال: هذه هي الأديان، ثم وجه النقد اللاذع للباطل الظاهر، وللضعيف البين، وللفاسد المعروف فساده، ثم صنع من ذلك مقدمة فاسدة استنتج منها إبطال الدين كله.

لقد رأى في مقدمته الفاسدة أن الاتجاهات الدينية يوجد فيها ما هو باطل مخالف للحقائق العلمية، التي توصل إلهيا البحث العلمي (ووضع الأديان المختلفة كلها في دائرة واحدة) ثم زعم أنه لما كان الدين كله يمثل جبهة واحدة، وقد وجد الباطل في جانب من جوانب هذه الجبهة، ولما كان الدين متماسك الحلقات متى انتقض بعضه انتقض كله، فالنتيجة التي يستخلصها الفكر العلمي هي أن الدين كله مشكوك به، ولا يصح الاعتماد عليه ولا الأخذ به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015