وبذلك يرد أمر الناس - طائعهم وعاصيهم - إلى الله. فهذا الشأن شأن الله وحده - سبحانه. شأن هذه الدعوة وشأن هؤلاء الناس معها: طائعهم وعاصيهم سواء .. وليس للنبي - صلى الله عليه وسلم - وليس للمؤمنين معه إلا أن يؤدوا دورهم، ثم ينفضوا أيديهم من النتائج، وأجرهم من الله على الوفاء، وعلى الولاء، وعلى الأداء.
وملابسة أخرى في السياق اقتضت هذا التنصيص: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيء» فسيرد في السياق قول بعضهم: «هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيء؟» .. وقولهم: «لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا.» .. ليقول لهم: إن أحدا ليس له من الأمر من شيء. لا في نصر ولا في هزيمة. إنما الطاعة والوفاء والأداء هي المطلوبة من الناس. وأما الأمر بعد ذلك فكله لله. ليس لأحد منه شيء. ولا حتى لرسول الله .. فهي الحقيقة الأصيلة في التصور الإسلامي.
وإقرارها في النفوس أكبر من الأشخاص وأكبر من الأحداث، وأكبر من شتى الاعتبارات .. (?)
عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ، وَلاَ يُطِيلُ الْخُطْبَةَ، فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْنًا، وَإِنْ يَعْلَمُوا بِكُمْ يَفْضَحُوكُمْ. فَقَالَ قَائِلُهُمْ وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، ثُمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ وَلأَصْحَابِكَ مَا شِئْتَ، ثُمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْكُمْ إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي وَلأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُونَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ قَالُوا: فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؟ قَالَ: لَكُمُ الْجَنَّةُ قَالُوا: فَلَكَ ذَلِكَ. (?)