إن النصر من عند الله. لتحقيق قدر الله. وليس للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا للمجاهدين معه في النصر من غاية ذاتية ولا نصيب شخصي. كما أنه ليس له ولا لهم دخل في تحقيقه، وإن هم إلا ستار القدرة تحقق بهم ما تشاء! فلا هم أسباب هذا النصر وصانعوه ولا هم أصحاب هذا النصر ومستغلوه! إنما هو قدر الله يتحقق بحركة رجاله، وبالتأييد من عنده. لتحقيق حكمة الله من ورائه وقصده: «لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» .. فينقص من عددهم بالقتل، أو ينقص من أرضهم بالفتح، أو ينقص من سلطانهم بالقهر، أو ينقص من أموالهم بالغنيمة، أو ينقص من فاعليتهم في الأرض بالهزيمة! «أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ» ..
أي يصرفهم مهزومين أذلاء، فيعودوا خائبين مقهورين.
«أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» فإن انتصار المسلمين قد يكون للكافرين عظة وعبرة، وقد يقودهم إلى الإيمان والتسليم، فيتوب الله عليهم من كفرهم، ويختم لهم بالإسلام والهداية ..
«أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ» .. يعذبهم بنصر المسلمين عليهم. أو بأسرهم. أو بموتهم على الكفر الذي ينتهي بهم إلى العذاب .. جزاء لهم على ظلمهم بالكفر، وظلمهم بفتنة المسلمين، وظلمهم بالفساد في الأرض، وظلمهم بمقاومة الصلاح الذي يمثله منهج الإسلام للحياة وشريعته ونظامه .. إلى آخر صنوف الظلم الكامنة في الكفر والصد عن سبيل الله.
وعلى أية حال فهي حكمة الله، وليس لبشر منها شيء .. حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرجه النص من مجال هذا الأمر، ليجرده لله وحده - سبحانه - فهو شأن الألوهية المتفردة بلا شريك.
بذلك ينسلخ المسلمون بأشخاصهم من هذا النصر: من أسبابه ومن نتائجه! وبذلك يطامنون من الكبر الذي يثيره النصر في نفوس المنتصرين، ومن البطر والعجب والزهو الذي تنتفخ به أرواحهم وأوداجهم! وبذلك يشعرون أن ليس لهم من الأمر شيء، إنما الأمر كله لله أولا وأخيرا.