جعلني الله فداك! أتعرف لغات العرب؟ قال: إي لعمر الله، قلت: فمن جعل الكاف منهم مكان القاف؟ قال: هذه حميَر، قلت: لعنها الله، ولعن من استعمل هذه اللغة بعد اليوم! فضحك المأمون، وعلم ما أردتُ، والتفت إلى خادم إلى جانبه، فقال: أعطه ما معك، فأخرج إليّ كيسًا فيه ثلاثة آلاف دينار، فقال: هاك، ثم قال: السلام عليك؛ ومضى فكان آخر العهد به (?).
وقال أبو سعيد المخزومي:
هل رأَيتَ النُّجومَ أَغنَت عنِ المأْ ... مونِ شيئًا أَو ملكِهِ المأْسوسِ
خَلَّفُوهُ بِعَرْصتي طرسوس ... مثلَ ما خَلَّفُوا أَباه بطوس
وقال عليّ بن عبيدة الرّيحانيّ:
ما أقلَّ الدموعَ للمأمونِ ... لستُ أَرضى إلا دمًا مِن جفوني
وذكر أبو موسى هارون بن محمد بن إسماعيل بن موسى الهادي أنّ عليّ بن صالح حدّثه، قال: قال لي المأمون يومًا: أبغني رجلًا من أهل الشام، له أدب، يجالسني ويحدّثني، فالتمستُ ذلك فوجدته، فدعوته فقلت له: إني مدخلك على أمير المؤمنين، فلا تسأله عن شيء حتى يبتدئك، فإني أعرفُ الناس بمسألتكم يا أهل الشام، فقال: ما كنت متجاوزًا ما أمرتني به. فدخلت على المأمون، فقلت له: قد أصبت الرّجل يا أمير المؤمنين، فقال: أدخله، فدخل فسلم، ثم استدناه - وكان المأمون على شغله من الشراب - فقال له: إني أردتك لمجالستي ومحادثتي، فقال الشامي: يا أمير المؤمنين؛ إن الجليس إن كانت ثيابه دون ثياب جليسه دخله لذلك غضاضة، قال: فأمر المأمون أن يخلَع عليه؛ قال: فدخلني من ذلك ما الله به أعلم، قال: فلما خلع عليه، ورجع إلى مجلسه، قال: يا أميرَ المؤمنين؛ إنّ قلبي كان إذا كان متعلِّقًا بعيالي لم تنتفع بمحادثتي، قال: خمسون ألفًا تحمل إلى منزله، ثم قال: يا أمير المؤمنين، وثالثة: قال: وما هي؟ قال: قد دعوت بشيء يحول بين المرء وعقله؛ فإن كانت