والعصر بلا خطبة، ثم مضوا فوقفوا جميعًا بالموقف من عرَفَة حتى غربت الشمس، فدفع الناس لأنفسهم من عرفة بغير إمام، حتى أتوْا مزدلفة، فصلّى بهم المغرب والعشاء رجلٌ أيضًا من عُرْض الناس وحسين بن حسن يتوقف بسرف يرهب أن يدخل مكة، فيُدفع عنها ويقاتَل دونها، حتى خرج إليه قوم من أهل مكة ممّن يميل إلى الطالبيّين، ويتخوّف من العباسيين، فأخبروه أن مكة ومنىً وعرَفة قد خلتْ ممن فيها من السلطان، وأنهم قد خرجوا متوجّهين إلى العراق. فدخل حسين بن حسن مكة قبل المغرب من يوم عرفة، وجميع من معه لا يبلغون عشرة، فطافوا بالبيت وسعوْا بين الصفا والمروة، ومضوا إلى عرفة في الليل، فوقفوا بها ساعة من الليل، ثم رجع إلى مُزدلفة فصلى بالناس الفجْر، ووقف على قُزَح، ودفع بالناس منه.
وأقام بمنى أيامَ الحجّ، فلم يزل مقيمًا حتى انقضت سنة تسع وتسعين ومائة، وأقام محمد بن سليمان بن داود الطالبيّ بالمدينة السنة أيضًا، فانصرف الحاج ومَنْ كان شهد مكة والموسم، على أن أهل الموسم قد أفاضوا من عرَفَة بغير إمام.
وقد كان هرثمة لما تخوّف أن يفوته الحجّ - وقد نزل قرية شاهى - واقع أبا السرايا وأصحابه في المكان الذي واقعه فيه زهير، فكانت الهزيمة على هرثمة في أول النهار، فلما كان آخر النهار كانت الهزيمةُ على أصحاب أبي السرايا، فلما رأى هرثمة أنه لم يصر إلى ما أراد، أقام بقرية شاهى، وردّ الحاج وغيرهم، وبعث إلى المنصور بن المهديّ فأتاه بقرية شاهى، وصار يكاتب رؤساء أهل الكوفة، وقد كان عليّ بن أبي سعيد لما أخذ المدائن توجّه إلى واسط فأخذها، ثم إنه توجّه إلى البصرة فلم يقدر على أخذها حتى انقضت سنة تسع وتسعين ومائة (?).