فإن وفيتم لم يضرّكم، وإن غدرتم فهو ذاك. قال: ثمّ قلتُ للعباس: لك عندي ولاية الموسم، ولا ولاية أشرف منها، ولك من مواضع الأعمال بمصْر ما شئت.
قال: فما برح حتى أخذت عليه البيعة للمأمون بالخلافة، فكان بعد ذلك يكتب إلينا بالأخبار، ويشير علينا بالرأي.
قال: فأخبرني عليّ بن يحيى السَّرَخسيّ، قال: مرّ بي العباس بن موسى ذاهبًا إلى مَرْو - وقد كنت وصفت له سيرة المأمون وحسن تدبير ذي الرياستين واحتماله الموضع، فلم يقبل ذلك مني - فلما رجع مرّ بي، فقلت له: كيف رأيت؟ قال: ذو الرياستين أكثر مما وصفت، فقلت: صافحتَ الإمام؟ قال: نعم، قلت: امسح يدك على رأسي. قال: ومضى القوم إلى محمّد فأخبروه بامتناعه، قال: فألحَّ الفضل بن الربيع وعليّ بن عيسى على محمد في البيعة لابنه وخلْع المأمون، وأعطى الفضل الأموالَ حتى بايع لابنه موسى، وسمّاه الناطق بالحق، وأحضنه عليّ بن عيسى وولّاه العراق. قال: وكان أوّل من أخذ له البيعة بشر بن السّمَيدع الأزدّيّ، وكان واليًا على بلد، ثم أخذها صاحب مكة وصاحب المدينة على خواصّ من الناس قليل، دون العامة (?).
قال: ونهى الفضل بن الربيع عن ذكر عبد الله والقاسم والدّعاء لهما على شيء من المنابر، ودسّ لذكر عبد الله والوقيعة فيه، ووجّه إلى مكّة كتابًا مع رسولٍ من حَجَبة البيت يقال له محمد بن عبد الله بن عثمان بن طلحة في أخذ الكتابين اللذين كان هارون كتبهما، وجعلهما في الكعبة لعبد الله على محمد، فقدم بهما عليه، وتكلم في ذلك بقية الحَجَبة، فلم يحفل بهم، وخافوا على أنفسهم، فلما صار بالكتابين إلى محمد قبضهما منه، وأجازه بجائزة عظيمة، ومزّقهما وأبطلهما (?).