ما يذكر الطبري واقع تأريخية ثم يذكر قصيدة لشاعر قالها في تلك المناسبة - وحينما يرجع الباحثون إلى التدقيق في المسألة (أو كما يصطلح أهل الحديث - عندما يبحثون عن العلل الخفية] يرون أن هذا الشاعر قد توفي بسنين أو حتى بعقود من السنين قبل تلك الحادثة أي أنه لم يشهدها فكيف نظم تلك الأبيات؟ ! وإليك المثل:
أخرج الطبري ضمن ذكره لأحداث ووقائع سنة (201) للهجرة خبرًا مَفَادُه أن والي خراسان (في عهد المأمون) افتتح جبال طبرستان وأماكن أخرى فنظم الشاعر سلّام الخامس بيتين من الشعر بتلك المناسبة [تأريخ الطبري 8/ 556] ولمّا رجع الأئمة المؤرخون الحفاظ إلى ترجمة هذا الشاعر علموا أنه توفي سنة (186 هـ) بينما كان فتح تلك الأماكن سنة (201 هـ) أي أنه توفي بعقد ونصف عقد من الزمان قبل هذه الواقعة وهذا يعني أن تلك الأبيات لم تنظّم في تلك المناسبة ولا تصح كدليل لتوثيق ذلك الخبر وهذا المثال وغيره من الأمثلة يستدعي منهجًا علميًا دقيقًا وشاملًا لكتب الأدب وبمعايير نزيهة للتأكد من قائلي ذلك الكم الهائل من القصائد الشعرية التي حوتها كتب التاريخ والتأكد من قائليها.
وخلاصة القول فإننا ارتأينا أن نغيّر ملامح منهجنا عند تحقيقنا لأخبار الأعوام (193 هـ وحتى 302 هـ) فلا نفصل بين الأقسام الثلاثة - ونحن على يقين بأن ذلك ممكن ولكن اعتمادًا على منهج أوسع وأشمل ولعل في القواعد التي ذكرها الدكتور الفاضل إبراهيم الشهرزوي في منهج إعادة كتابه التأريخ الإسلامي حَلّ لجزء كبير من هذه المعضلة فكتابه وإن كان بعنوان [مناهج المحدثين في نقد الرواية التأريخية] فإن فحوى الكتاب أوسع من ذلك فقد جمع الدكتور إبراهيم جميع ما كتبه الناقدون المتأخرون والمعاصرون في مناهج إعادة كتابة التأريخ وأضاف إليها قواعد جديدة قيمة ولعلَّ ما كتبه أوسع ما كتب في الباب ولو طبقنا ما كتبه الرجل وبالاستعانة بقواعد أخرى ولأعوام عدة لحصلنا على موسوعة قيّمة للتأريخ الإسلامي الصحيح والله أعلم بالصواب.
للأسباب الآنفة الذكر فقد أضفنا مصادر أخرى لم نكن نستخدمها للمقارنة منْ قبلُ إلا نادرًا وهي:
1 - كتاب الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري وهو أحمد بن داود - العلامة