- حتى بلغ -
ما كان أَحسن أيامَ الشبابِ وما ... أَبقى حلاوةَ ذِكرَاهُ التي تَدَعُ
ما كنتُ أُوفِي شَبابي كُنهَ غُرَّتِه ... حتى مضى فإذا الدنيا له تَبَعُ
قال الرشيد: لا خير في دنيا لا يُخطَر فيها ببُرْد الشباب.
وذكر أن سعيد بن سلم الباهليَّ دخل على الرشيد، فسلَّم عليه، فأومأ إليه الرشيد فجلس، فقال: يا أمير المؤمنين، أعرابيٌّ من باهلة واقفٌ على باب أمير المؤمنين؛ ما رأيت قطَّ أشعرَ منه، قال: أما أنك استبحت هذين - يعني العمَاني ومنصور النَّمري، وكانا حاضريه - نُهبى لهما أحجارك، وقال: هما يا أمير المؤمنين يهباني لك؛ فيؤذن للأعرابيِّ؟ فأذن له، فإذا أعرابيٍّ في جُبَّة خَزٍّ، ورداء يمان، قد شدَّ وسطه ثم ثناه على عاتقه، وعمامة قد عَصَبها على خدَّيه، وأرخى لها عَذبَة، فمثل بين يدي أمير المؤمنين، وألقيت الكراسي، فجلس الكسائي والمفضَّل وابن سلْم والفضل بن الربيع، فقال ابنُ سلْم للأعرابيُّ: خذ في شرف أمير المؤمنين، فاندفع الأعرابيَّ في شعره، فقال أمير المؤمنين: أسمعُك مستحسنًا، وأنكرك متهمًا عَليك؛ فإنْ يكن هذا الشعر لك وأنت قلته من نفسك، فقل لنا في هذين بيتين - يعني محمدًا والمأمون - وهما حفافاه فقال: يا أميرَ المؤمنين حمَّلتني على القدر في غير الحذر روعةَ الخلافة، وبهَر البديهة ونفور القوافي عن الرَّويَّة، فيمهلني أمير المؤمنين؛ يتألف إليَّ نافراتها، ويسكن رَوْعي. قال: قد أمهلتك يا أعرابيُّ، وجعلت اعتذارك بدلًا من امتحانك، فقال: يا أميرَ المؤمنين نفَّست الخناق، وسهَّلت ميدان النفاق، ثم أنشأ يقول:
هُما طُنُبَاها بارَكَ الله فيهما ... وأَنتَ أميرَ المؤمنينَ عمودُها
بَنَيْت بِعَبْدِ الله بَعدَ مُحمَّدٍ ... ذرا قبَّةِ الإِسلامِ فاهتزَّ عُودُها
فقال: وأنت يا أعرابيُّ بارك الله فيك؛ فسَلْنا، ولا تكن مسألتك دون إحسانِك، قال: الهُنيدة يا أمير المؤمنين، قال: فتبسَّم أمير المؤمنين، وأمر له بمائة ألف درهم وسبع خلَع.
وذُكر أنَّ الرشيد قال لابنه القاسم - وقد دخل عليه قبل أن يبايع له: أنت للمأمون ببعض لحمك هذا، قال: ببعض حظِّه.
وقال للقاسم يومًا قبل البيعة له: قد أوصيتُ الأمين والمأمون بكَ، قال أمَّا