من قانصٍ يُنْفِذُ الفَرِيصَ إِذا ... ركَّبَ سَهْمَ الحُتُوف في وتَرِهْ
دافَعَ عنك المَليك صَوْلَةَ لَيـ ... ـثٍ يُريدُ الأَسْدَ في ذرَى خَمَرهْ
حتى أَتانا وفيه داخِلةٌ ... تُعرفُ في سمعِهِ وفي بَصَرِهْ
أَزْعَر قد طار عن مفارِقِه ... وحْفُ أَثِيثِ النَّباتِ من شَعَرهْ
وذُكر أنّ عيسى بن عليّ كان يقول للمنصور: إنّ عيسى بن موسى إنما يمتنع من البيعة للمهديّ لأنه يربّص هذا الأمر لابنه موسى، فموسى الذي يمنعه. فقال المنصور لعيسى بن عليّ: كلم موسى بن عيسى وخوّفه على أبيه وعلى ابنه؛ فكلّم عيسى بن عليّ موسى في ذلك، فأيأسه، فتهدده وحذّره غضب المنصور. فلما وجل موسى وأشفق وخاف أن يقع به المكروه، أتى العباس بن محمد، فقال: أيْ عم، إني مكلمك بكلام، لا والله ما سمعه مني أحدٌ قطّ، ولا يسمعه أحد أبدًا؛ وإنما أخرجه مني إليك موضعُ الثقة بك والطمأنينة إليك؛ وهو أمانة عندك؛ فإنما هي نفسي أنثلها في يدك. قال: قل يا بنَ أخي، فلك عندي ما تحبّه، قال: أرى ما يُسام أبي من إخراج هذا الأمر منِ عنقه وتصييره للمهديّ؛ فهو يؤذَى بصنوف الأذى والمكروه، فيُتهدّد مرة ويؤخّر إذنه مرّة، وتُهدّم عليه الحيطان مرّة، وتدسّ إليه الحتوف مرّة، فأبي لا يعطي على هذا شيئًا؛ لا يكون ذلك أبدًا، ولكنّ ها هنا وجهًا، فلعله يعطي عليه إن أعطى وإلّا فلا، قال: فما هو يا بن أخي؟ فإنك قد أصبت ووفّقت، قال: يقبل عليه أمير المؤمنين وأنا شاهد فيقول له: يا عيسى، إني أعلم أنك لستَ تضنّ بهذا الأمر على المهديّ لنفسك؛ لتعالي سنّك وقرب أجلِك؛ فإنك تعلم أنه لا مدّة لك تطول فيه؛ وإنما تضنّ به لمكان ابنك موسى؛ أفتراني أدَعُ ابنَك يبقى بعدك ويبقى ابني معه فيلي عليه! كلّا والله لا يكون ذلك أبدًا؛ ولأثبنّ على ابنك وأنت تنظر حتى تيأس منه، وآمن أن يلِيَ على ابني، أترى ابنك آثر عندي من ابني! ثم يأمر بي؛ فإما خنِقت وإما شُهر علي سيف، فإن أجاب إلى شيء فعسى أن يفعل بهذا السبب؛ فأما بغيره فلا. فقال العباس: جزَاك الله يا بن أخي خيرًا، فقد فديت أباك بنفسك، وآثرت بقاءه على حظك، نعم الرأي رأيت، ونعم المسلك سلكت!
ثم أتى جعفر فأخبره الخبر، فجزَى المنصور موسى خيرًا، وقال: قد أحسن وأجمل، وسأفعل ما أشار به إن شاء الله، فلما اجتمعوا وعيسى بن عليّ حاضر،