فنهض إليهم المهلّب، فقاتلوه قتالًا شديدًا، ثمّ إنّ الله قتلهم فلم ينجُ منهم إلّا قليل، وأخذ عسكرهم وما فيه وسُبُوا، لأنهم كانوا يَسبون المسلمين، وقال كعبٌ الأشقريّ - والأشقَر بطنٌ من الأزد - يذكر يومَ رامَهُرْمُز، وأيام سابورَ، وأيام جِيرَفْتَ:
يا حفْصَ إني عَدَاني عنكم السفرُ ... وقَدْ أرِقتُ فَاذَى عَيْنيَ السهرُ
عُلّقْتَ يا كعبُ بعد الشَّيبِ غانِيَةً ... والشَّيبُ فيه عن الأَهواء مزْدَجرُ
أممْسكٌ أنتَ عنها بالَّذي عَهِدَتْ ... أم حَبْلها إذ تأَتْكَ اليومَ مُنْبَتِرُ
عُلّقْتُ خَوْدًا بأَعْلى الطَّف مَنزِلُهَا ... في غُرفَة دونها الأَبوابُ والحُجَر
دُرْمًا منَاكِبُهَا رَيًّا مآكِمُهَا ... تكاد إذ نَهضَتْ للمشي تنبَتِرُ
وقد تركْتُ بِشطِّ الزَّابِييْنِ لها ... دارًا بها يَسْعَدُ البَادُونَ والحَضَر
واخْتَرْت دارًا بها حيٌّ أسَرُّ بِهمْ ... ما زال فيهم لمن نختارُهُمْ خَيرُ
لمَّا نَبَتْ بي بِلَادي سِرْتُ مُنتجِعًا ... وطَالِبُ الخير مُرْتادٌ ومُنتَظرُ
أَبا سعيد فإني جئت مُنتجِعًا ... أرجُو نَوالَكَ لمّا مَسَّنِي الضَّرَرُ
لولا المهلَّبُ ما زُرْنا بلادَهُمُ ... ما دامت الأَرض فيها الماءُ والشجرُ
فما من الناس من حيٍّ عَلِمتُهُمُ ... إلا يُرَى فيهم من سَيْبِكم أَثرُ
أحيَيْتَهُم بِسجَال من نَدَاكَ كما ... تحيَا البلادُ إذا ما مسَّها المطرُ
إني لأرجو إذا ما فاقَةٌ نزَلَتْ ... فضلًا من الله في كفَّيكَ يَبْتَدِرُ
فاجبرْ أخًا لك أَوْهَى الفقر قوته ... لعلَّهُ بعد وهْي العظْمِ ينجبرُ
جَفَا ذَوُو نَسَبي عنِّي وأخلفَني ... ظني فللهِ دَرِّي كيف آتمِرُ
يا واهِبَ القَينةِ الحَسناء سُنَّتُها ... كالشمس هِرْكولةٌ في طَرْفِها فَتْرُ
وما تزال بُدُورٌ منك رائحة ... وآخرون لهم من سَيْبك الغُرَر
نماك للمجد أملاكٌ وَرِثْتَهُمُ ... شمُّ العَرَانينِ في أخلاقهمْ يَسَرُ
ثارُوا بقَتْلَى وأوتارٍ تُعدّدُها ... في حِين لا حَدَثٌ في الحرب يتَّئرُ
واستسلم الناسُ إذ حلَّ العدوُّ بهم ... فما لأمرِهمُ وردٌ ولا صدَرُ
وما تجاوزَ بابَ الجسر من أَحد ... وعَضَّتِ الحربُ أهلَ المصرِ فانجحَروا
وأُدخل الخوفُ أجوافَ البيوت على ... مثلِ النساءِ رجال ما بهم غِيَرُ
واشتدَّتِ الحربُ والبَلوَى وحلَّ بنا ... أمرٌ تُشَمَّرُ في أَمثالِهِ الأُزُر