فكتب إليهما عبد الله بن عمر:

أمَّا بعد؛ فقد علمتُما الَّذي بيني وبين المختار بن أبي عبيد من الصِّهر، والَّذي بيني وبينكما من الودّ؛ فأقسمت عليكما بحقّ ما بيني وبينكما لَمّا خلّيتما سبيله حتى تنظران في كتابي هذا، والسلام عليكما ورحمة الله.

فلمَّا أتى عبدَ الله بن يزيد وإبراهيمَ بن محمد بن طلحة كتابُ عبد الله بن عمر دعوَا للمختار بكُفَلاء يضمنونه بنفسه، فأتاه أناس من أصحابه كثير، فقال يزيد بن الحارث بن يزيد بن رُؤيْم لعبد الله بن يزيد: ما تصنع بضمان هؤلاء كلّهم! ضمّنه عشرة منهم أشرافًا معروفين، ودعْ سائرهم.

ففعل ذلك، فلما ضمِنوه، دعا به عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة فحلَّفاه بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، لا يبغيهما غائلة، ولا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان؛ فإن هو فعل فعليه ألف بَدَنة ينحرها لدى رِتاج الكعبة؛ ومماليكُه كلّهم ذَكَرُهم وأنثاهم أحرارٌ، فحلف لهما بذلك، ثم خرج فجاء داره فنزلها (?). (6/ 7 - 9).

قال أبو مخنف: فحدّثني يحيى بن أبي عيسى، عن حُميد بن مسلم، قال: سمعت المختار بعد ذلك يقول: قاتلهم الله! ما أحمقهم حين يَرَوْن أنّى أفي لهم بأيمانهم هذه! أمَّا حلِفي لهم بالله؛ فإنه ينبغي لي إذا حلفت على يمين فرأيت ما هو خير منها أن أدَع ما حلفت عليه وآتي الذي هو خير؛ وأكفّر يميني، وخروجي عليهم خير من كفِّي عنهم؛ وأكفّر يميني؛ وأمَّا هَدْي ألف بَدَنة فهو أهْوَن عليّ من بصقة؛ وما ثمنُ ألف بدنة فيهولَني! وأمَّا عتق مماليكي فوالله لوددت أنه قد استتبّ لي أمري، ثمّ لم أملك مملوكًا أبدًا.

قال: ولمَّا نزل المختار دارَه عند خروجه في السِّجن، اختلف إليه الشيعة واجتمعت عليه؛ واتَّفق رأيها على الرضا به، وكان الذي يبايع له الناس وهو في السّجن خمسة نفر: السَّائب بن مالك الأشعريّ، ويزيد بن أنس، وأحمر بن شُميط، ورفاعة بن شدّاد الفِتْياني، وعبد الله بن شداد الجُشَميّ.

قال: فلم تزل أصحابه يكثُرون، وأمره يقوَى ويشتدُّ حتَّى عزل ابنُ الزبير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015