بالغيب، ونستنصحه في المشورة، ونحمده على كلّ حال؛ إنا سمعنا الله عزّ وجلّ يقول في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} - إلى قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. إن القوم قد استبشروا ببيعتهم التي بايعوا، إنهم قد تابوا من عظيم جُرْمهم، وقد توجَّهوا إلى الله، وتوكَّلوا عليه ورَضُوا بما قضى الله، {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، والسلام عليك.

فلما أتاه هذا الكتاب قال: استمات القومُ، أوّل خبر يأتيكم عنهم قتْلُهم، وايم الله ليُقتلُنّ كرامًا مسلمين، ولا والذي هو ربّهم لا يقتلهم عدوّهم حتى تشتدّ شوكتُهم، وتكثرَ القتلى فيما بينهم (?). (5/ 591 - 593).

قال أبو مخنف: فحدّثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، وعبد الرحمن بن جندب، عن عبد الرحمن بن غزيّة، قالا: خرجْنا من هيتَ حتى انتهينا إلى قَرقِيسيَا، فلما دنونا منها وقف سليمان بِن صرد فعبَّأنا تعبيةً حسنة حتى مررنا بجانب قرقيسيا، فنزلنا قريبًا منها، وبها زُفر بن الحارث الكلابيّ قد تحصّن بها من القوم، ولم يخرج إليهم، فبعث سليمان المسيّب بن نجَبة، فقال: ائت ابنَ عمك هذا فقل له: فليخرج إلينا سَوْقًا، فإنا لسنا إياه نريد، إنما صَمْدُنا لهؤلاء المُحِلّين، فخرج المسيّب بن نَجبَة حتى انتهى إلى باب قرقيسيا، فقال: افتَحوا، ممن تحصَّنون؟ فقالوا: من أنت؟ قال: أنا المسيّب بن نَجبة، فأتى الهذيلُ بن زفر أباه فقال: هذا رجلٌ حسنُ الهيئة، يستأذن عليك، وسألناه من هو؟ فقال: المسيّب بن نجبة - قال: وأنا إذ ذاك لا علمَ لي بالناس، ولا أعلم أيّ الناس هو - فقال لي أبي: أمَا تدري أي بُنيّ من هذا؟ هذا فارسُ مُضَر الحمراء كلها، وإذا عُدّ من أشرافها عشرة كان أحدَهم، وهو بعدُ رجلٌ ناسكٌ له دين، ائذنَ له. فأذنتُ له، فأجلَسَه أبي إلى جانبه، وساءلَه وألطفه في المسألة، فقال المسيّب بن نَجَبة: ممن تتحصّن؟ إنا والله ما إياكم نريد، وما اعترينا إلى شيء إلا أن تُعينَنَا على هؤلاء القوم الظَّلمَة المُحِلين، فاخرج لنا سوقًا، فإنا لا نقيم بساحتكم إلا يومًا أو بعض يوم، فقال له زُفر بن الحارث: إنا لم نُغلق أبوابَ هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015