آمن، وإن رُقّى إلى الأمير عبيد الله بن زياد شيء من أمره أقمتُ له بمحضره الشهادة، وشَفَعت له أحسنَ الشفاعة، فقال له زائدة بن قدامة: لا يكوننّ مع هذا إن شاء الله إلا خيرٌ.
قال عبد الرحمن: فخرجتُ، وخرج معي زائدة إلى المختار، فأخبرناه بمقالة ابن أبي حيّة، وبمقالة عمرو بن حُرَيث، وناشدناه بالله ألا يجعل على نفسه سبيلا، فنزل إلى ابن حريث، فسلّم عليه، وجلس تحت رايته حتى أصبح، وتذاكرَ الناس أمرَ المختار وفعلَه، فمشى عُمارة بن عقبة بن أبي مُعيط بذلك إلى عبيد الله بن زياد، فذكر له، فلما ارتفع النهار فُتِح بابُ عبيد الله بن زياد وأذِن للناس، فدخل المختار فيمن دخل، فدعاه عبيد الله، فقال له: أنت المقبلُ في الجموع لتنصُر ابن عَقِيل! فقال له: لم أفعل، ولكني أقبلت ونزلت تحتَ راية عمرو بن حُرَيث، وبتّ معه وأصبحت، فقال له عمرو: صدق أصلَحَك الله! قال: فرفع القضيبَ، فاعترض به وجهَ المختار فخبط به عينَه فشَتَرها، وقال: أوْلَى لك! أمَا والله لولا شهادةُ عمرو لك لضربتُ عنقك؛ انطلقوا به إلى السجن فانطلقوا به إلى السجن فحُبس فيه فلم يزل في السجن حتى قُتل الحسين، ثمّ إنّ المختار بعث إلى زائدة بن قدامة، فسأله أن يسير إلى عبد الله بن عمرَ بالمدينة فيسألَه أن يكتبَ له إلى يزيد بن معاوية، فيكتب إلى عبيد الله بن زياد بتخلية سبيله، فركب زائدةُ إلى عبد الله بن عمر فقَدِم عليه، فبلَّغه رسالةَ المختار، وعلمتْ صفيَّة أختُ المختار بمَحبِس أخيها وهي تحت عبد الله بن عمر، فبكت وجزعت، فلما رأى ذلك عبد الله بن عمَر كتب مع زائدة إلى يزيدَ بن معاوية: أمَّا بعد، فإنّ عبيد الله بن زياد حبس المختار، وهو صهري، وأنا أحبّ أن يعافَى ويُصلَح من حاله، فإن رأيتَ - رحمنا الله وإيَّاك - أن تكتب إلى ابن زياد فتأمرَه بتخليته فعلتَ. والسلام عليك.
فمضى زائدة على رواحله بالكتاب حتى قدم به على يزيدَ بالشام، فلما قرأه ضحك ثم قال: يشفّع أبو عبد الرحمن، وأهلُ ذلك هو! فكتب له إلى ابن زياد: أما بعد، فخلّ سبيلَ المختار بن أبي عُبيد حين تنظرُ في كتابي، والسلام عليك.
فأقبَل به زائدة حتى دفعه، فدعا ابن زياد بالمختار، فأخرجه، ثم قال له قد أجَّلتُك ثلاثًا، فإن أدركتُك بالكوفة بعدَها قد برئتْ منك الذّمَّةُ.