وذلك عند دُنوّ عيسى من المدينة - إذ قال محمد: أشيروا عليّ في الخروج والمقام، قال: فاختلفوا، فأقبل عليّ فقال: أشرْ عليّ يا أبا جعفر، قلت: ألستَ تعلم أنك أقلُّ بلاد الله فرسًا وطعامًا وسلاحًا، وأضعفها رجالًا؟ قال: بلى، قلت: ألست تعلم أنك تقاتل أشدّ بلاد الله رجلًا وأكثرها مالًا وسلاحًا؟ قال. بلى، قلت: فالرأي أن تسير بمن معك حتى تأتي مصرَ، فوالله لا يردّك رادّ، فتقاتل الرّجل بمثل سلاحه وكُراعه ورجاله وماله. فصاح حُنين بن عبد الله: أعوذ بالله أن تخرج من المدينة! وحدّثه أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيتُني في درع حصينة فأوّلتُها المدينة".

قال: وحدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر، عن الثقة عنده، قال: أجاب محمدًا لما ظهر أهلُ المدينة وأعراضها وقبائل من العرب؛ منهم جُهينة ومُزَينة وسُليم وبنو بكر وأسْلَم وغِفار؛ فكان يقدّم جُهينة؛ فغصْبت من ذلك قبائل قيس.

قال محمد: فحدثني عبد الله بن معروف أحد بني رياح بن مالك بن عصيَّة بن خُفاف - وقد شهد ذاك - قال: جاءت محمدًا بنو سُلَيم على رؤسائها، فقال متكلّمهم جابر بن أنس الرياحيّ: يا أميرَ المؤمنين؛ نحن أخوالُك وجيرانُك، وفينا السلاح والكُراع، والله لقد جاء الإسلام والخيْل في بني سليم أكثر منها بالحجاز؛ لقد بقي فينا منها ما إن بقي مثلُه عند عربيّ تسكن إليه البادية، فلا تخندق الخندق؛ فإن رسول الله خندق خندقه لما الله أعلم به؛ فإنك إن خندقتَه لم يحسن القتال رجّالة، ولم تُوَجّه لنا الخيل بين الأزقّة؛ وإن الذين يخندقَ دونهم هم الذين يقاتلون فيها؛ وإن الذين يخندَق عليهم يحول الخندق دونهم، فقال أحد بني شجاع: خندقَ رسول الله فاقتدِ برأيه؛ أوَ تريد أن تَدَع رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرأيك! قال: إنه يا بن شجاع ما شيء أثقل عليك وعلى أصحابك من لقائهم؛ ولا شيء أحبّ إليّ وإلى أصحابي من مناجزتهم، فقال محمد: إنما اتّبعنا في الخندق أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يردّني عنه أحدٌ، فلست بتاركه.

قال: وحدثني محمد بن يحيى، عن الحارث بن إسحاق، قال: لما تيقّن محمد أن عيسى قد أقبل حَفَر الخندق، خندق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الذي كان حفره للأحزاب.

قال: وحدّثني سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، قال: حدّثني محمد بن عَطيّة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015