إلّا ما أريد به وجهه؛ فأريدوا الله بأعمالكم، واعلموا أنّ ما أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها، وخطأٌ ظفرتم به، وضرائب أدّيتموها، وسلَفٌ قدَّمتموه من أيام فانية لأخرى باقية؛ لحين فقركم وحاجتكم. اعتبروا عباد الله بمَنْ مات منكم، وتفكّروا فيمن كان قبلكم. أين كانوا أمس، وأين هم اليوم؟ ! أين الجبّارون؟ ! وأين الذين كان لهم ذكر القتال والغلَبة في مواطن الحروب؟ ! قد تضعضع بهم الدّهر، وصاروا رميمًا، قد تُركت عليهم القالات؛ {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26]. وأينَ الملوك الذين أثاروا الأرض وعمرُوها، قد بعدوا ونُسِيَ ذكرهم، وصاروا كلا شيء. ألا إنّ الله قد أبقى عليهم التَّبِعات، وقطع عنهم الشهوات، ومضوْا والأعمال أعمالهم، والدنيا دنيا غيرهم، وبقينا خلَفًا بعدهم، فإن نحن اعتبرنا بهم نجوْنا، وإن اغتررنا كنّا مثلهم! أين الوُضّاءُ الحسنة وجوهُهم، المعجبون بشبابهم؟ ! صاروا ترابًا وصار ما فرطوا فيه حَسْرَة عليهم! أين الذين بنوا المدائن وحصّنوها بالحوائط، وجعلوا فيها الأعاجيب؟ ! قد تركوها لمن خَلَفهم، فتلك مساكنهم خاوية، وهم في ظلمات القبور، هل نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزًا؟ ! أين مَنْ تعرفون من أبنائكم وإخوانكم؛ قد انتهت بهم آجالهم، فوردوا على ما قدسوا فحلُّوا عليه وأقاموا للشَّقْوة والسعادة فيما بعد الموت. ألا إنّ الله لا شريك له، ليس بينه وبين أحد مِنْ خلقه سببٌ يعطيه به خيرًا، ولا يصرف عنه به سوءًا إلّا بطاعته واتباع أمره، واعلموا أنكم عبيدٌ مَدِينُون، وإنّ ما عنده لا يُدْرك إلّا بطاعته؛ أما أنه لا خير بخير بَعْدَه النارُ، ولا شر بشرّ بعده الجنة (?). (3: 223/ 224 / 225).