وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا}. فبعث الله إليهم نوحًا مخوِّفهم بأسه، ومحذِّرهم سطوته، وداعيًا لهم إلى التوبة والمراجعة إلى الحق (?). (1: 179).
قال ابن إسحاق: حتى إذا تمادوا في المعصية، وعظمت في الأرض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتدَّ عليه منهم البلاء، وانتظر النجل بعد النجل، فلا يأتي قرن إلا كان أخبثَ من الذي قبله؛ حتى إن كان الآخر منهم ليَقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا؛ هكذا مجنونًا! لا يقبلون منه شيئًا، حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى الله عزّ وجلَّ، فقال كما قصَّ الله عزّ وجلَّ علينا في كتابه: {قَال رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إلا فِرَارًا} إلى آخر القصة، حتى قال: {وَقَال نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إلا فَاجِرًا كَفَّارًا} إلى آخر القصة. فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله عزّ وجلّ واستنصره عليهم أوحى الله إليه أن {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}. فأقبل نوح على عمل الفلك، ولها عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد، ويهيّئ عُدة الفلك من القار وغيره مما لا يُصلحه إلَّا هوَ، وجعل قومه يمرُّون به، وهو في ذلك من عمله، فيسخرون منه، ويستهزئون به فيقول: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (?). (1: 182/ 183).
قال أبو جعفر: وقد أخبر الله تعالى ذكره من الخبر عن الطوفان بخلاف ما قالوا، فقال وقوله الحق: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّينَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}؛ فأخبر عزّ ذكره أنّ ذريةَ نوح هم الباقون دون غيرهم (?). (192: 1).
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: