والقمر خُلِقا بعد خلق الله أشياء كثيرة من خلْقه؛ وذلك أن حديث ابن عباس عن رسول الله ورد بأن الله خلق الشمس والقمر يوم الجمعة فإن كان ذلك كذلك، فقد كانت الأرض والسماء وما فيهما - سوى الملائكة وآدم - مخلوقةً قبل خلق الله الشمسَ والقمر، وكان ذلك كله ولا ليلَ ولا نهار؛ إذْ كان الليل والنهار إنما هو اسم لساعات معلومة من قطع الشمس والقمر دَرَج الفلك.
وإذا كان صحيحًا أنّ الأرض والسماء وما فيهما، سوى ما ذكرنا، قد كانت ولا شمس ولا قمر كان معلومًا أن ذلك كلَّه كان ولا ليل ولا نهار. وكذلك حديث أبي هريرة عن رسول الله، لأنه أخبر عنه أنه قال: "خلق الله النورَ يوم الأربعاء"، يعني بالنور الشمسَ إن شاء الله (?). (1: 24).
17 - فإن قال لنا قائل: قد زعمتَ أن اليومَ إنما هو اسمٌ لميقات ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم زعمتَ الآن أن الله خلق الشمس والقمر بعد أيام من أول ابتدائه خلقَ الأشياء التي خلقها، فأثبتَ مواقيتَ، وسميتها بالأيام، ولا شمس ولا قمر، وهذا إن لم تأت ببرهان على صحته، فهو كلام ينقض بعضه بعضًا! قيل: إن الله سمّى ما ذكرته أيامًا، فسميتُه بالاسم الذي سماه به، وكان وجهُ تسمية ذلك أيامًا، ولا شمس ولا قمر؛ نظير قوله عزّ وجلّ: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، ولا بكرةَ ولا عشيّ هنالك؛ إذ كان لا ليلَ في الآخرة ولا شمس ولا قمر؛ كما قال جلّ وعزّ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ}.
فسمّى تعالى ذكره يوم القيامة يومًا عقيمًا، إذْ كان يومًا لا ليلَ بعد مجيئه؛ وإنما أريد بتسمية ما سمّى أيامًا قبل خلق الشمس والقمر قدرُ مدة ألف عام من أعوام الدنيا، التي العام منها اثنا عشر شهرًا من شهور أهل الدنيا، التي تُعدّ ساعاتها وأيامها بقطع الشمس والقمر دَرَج الفلك، كما سمّى بُكرةً وعشيًا لما يرْزَقه أهلُ الجنة في قدْر المدة التي كانوا يعرفون ذلك من الزمان في الدنيا بالشمس ومجراها في الفلك، ولا شمسَ عندهم ولا ليل (?). (1: 24/ 25).