وعلى هذا حضَّ الإمام مسلم على طرح الأحاديث الضعيفة، فقال في مقدمة "صحيحه" (ص 6):
"وبعد -يرحمك الله- فلولا الذي رأينا من سوء صنيع كثير ممن نصّب نفسه محدِّثاً فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة، والروايات المنكرة، وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة، مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة، بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيراً مما يقذِفون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر، ومنقول عن قوم غير مرْضيين ممن ذم الروايةَ عنهم أئمةُ أهل الحديث، مثل مالك، وشعبة، وسفيان، ويحيى بن سعيد القطّان وعبد الرحمن ابن مهدي، وغيرهم -لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل، ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة، وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها؛ خَفَّ على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت.
واعلمْ -وفقك الله تعالى- أنّ الواجب على كل أحد عرف التمييز بي صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والسِّتارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم، والمعاندين من أهل البدع. والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه قول الله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو ..}، وقال جل ثناؤه: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وقال: {وَأَشْهِدُوا