ويؤتى بصاحب المال، فيقولُ اللهُ عز وجل: ألم أُوْسع (?) عليك حتّى لم أدَعْكَ تحتاجُ إلى أحدِ؟ قال: بلى يا ربِّ؛ قال: فماذا عملتَ فيما آتيتُكَ؟ قال: كُنتُ أَصِلُ الرَّحِمُ، وأتصدَّقُ. فيقولُ الله له: كذَبْتَ، وتقولُ الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جوادٌ، وقد قيل ذلك.
ويؤتى بالذي قُتِلَ في سبيلِ الله، فيقولُ اللهُ له: في ماذا قُتِلتَ؟ فيقول: أيْ ربِّ! أَمَرْتَ بالجهاد في سبيلكَ، فقاتلتُ حتى قُتلتُ، فيقول الله له: كَذَبْتَ، وتقولُ الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جريءٌ، فقد قيل ذلك". ثم ضرب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ركبتي، فقال:
"يا أبا هريرة! أولئك الثلاثةُ أولُ خلقِ الله تُسعَر بهم النارُ يومَ القيامةِ".
قال الوليدُ أبو عثمان المديني: وأخبرني عُقبةُ أن شُفَيّاً هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا، قال أبو عثمان: وحدّثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيّافاً لمعاويةَ قال: فدخل عليه رجلٌ فأخبره بهذا عن أبي هريرة. فقال معاوية: قد فُعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بَقِيَ مِنَ الناسِ؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديداً، حتى ظَنَنَّا أنه هالكٌ، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بِشَرٍّ. ثم أفاق معاويةُ، ومسح عن وجهه، وقال: صدق اللهُ ورسولُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" نحو هذا لم يختلف إلا في حرف أو في حرفين.
قوله: (جريء) هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد، أي: شجاع.