وهذا يقتضي أن الذين نزلوا على هاجر حين أخرج الله لها الماء العماليق، وهو يخالف خبر ابن عباس -رضي الله عنهما- السابق؛ فإنه يقتضي أن الذين نزلوا على هاجر حين أخرج الله لها الماء قوم من جرهم قدموا من طريق كدي بعد أن أنكروا الماء لكونهم لم يعهدونه، وبعد أن استأذنوا هاجر في النزول معها فأذنت لهم في ذلك لحبها في الأنس بهم، وفي حبها لذلك إشعار بفقدها لأحد تأنس به غيرهم1، والله أعلم.

وذكر الجندي في "فضائل مكة"، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- خبرا في وضع إبراهيم لإسماعيل وأمه -عليهم السلام- بمكة، وفيه ما يقتضي أن جرهما الذين نزلوا على إسماعيل وأمه -عليهما السلام- قدموا من اليمن بعد أن سار إسماعيل يصطاد؛ لأنه فيه: فمكثت هي وإسماعيل -يصطاد عليها من الحل- حتى جاء ناس من اليمن من جرهم؛ فرأوا الطير يطوف على الماء وهم ذاهبون إلى الشام؛ فلما رأوا الماء وجدوا عنده المرأة وابنها ... ، وذكر بقية الخبر، وهذا غريب جدا؛ أعني كون إسماعيل-عليه السلام- يصطاد حين نزل جرهم على أمه؛ والمعروف أنه كان إذ ذاك رضيعا.

ومنها: أن الفاكهي روى بسنده عن طريق الواقدي عن أبي جهم بن حذيفة قال: لما بلغ إسماعيل -عليه السلام- تزوج امرأة من العماليق ابنه صدى، قال: فجاء إبراهيم زائرا لإسماعيل، عليه السلام- في ماشيته يرعاها ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد مع رعيته، وكان يرعى بأعلى مكة -في ماشيته يرعاها ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد مع رعيته، وكان يرعى بأعلى مكة -السدرة وما والاها- فجاء إبراهيم- عليه السلام -إلى منزله فقال: السلام عليكم يا أهل البيت؛ فسكتت فلم ترد عليه -إلا أن تكون ردت عليه في نفسها- فقال: هل فذكرت جهدا؛ فقالت: لاها الله2 إذن. قال: كيف طعامكم ولبنكم وماشيتكم؟ قال: فذكرت جهدا؛ فقالت: أما الطعام فلا طعام، وأما الشاة فلا تحلب الشاة بعد الشتاء المضير -قال الواقدي: المضير: السحب- وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ. قال: فأين رب البيت؟ قالت: في حاجته. قال: فإذا جاء فاقرئيه السلام وقولي غير عتبة بيتك3 ... انتهى.

وهذا يقتضي أن امرأة إسماعيل التي أمره أبوه بفراقها من العماليق، وهو يخالف ما في خبر ابن عباس- رضي الله عنهما- السابق، فإن فيه ما يقتضي أنها من جرهم.

وذكر المسعودي أنها من العماليق4، وذكر كلاما يقتضي أنها من العماليق الذين قدموا من اليمن وملكهم السميدع؛ وذلك يخالف ما في خبر أبي جهم بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015