وقد فطر عليه واحتجوا بقوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} وروى بإسناده إلى ابن عباس قال: "لم أدر ما فاطر السماوات والأرض حتى أتانا أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها وذكر دعاء على اللهم جبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها" قال شيخنا: "حقيقة هذا القول أن كل مولود فإنه يولد على ما سبق في علم الله أنه صائر إليه" ومعلوم أن جميع المخلوقات بهذه المثابة فجميع البهائم مولودة على ما سبق في علم الله لها والأشجار مخلوقة على ما سبق في علم الله وحينئذ فيكون كل مخلوق قد خلق على الفطرة وأيضا فلو كان المراد ذلك لم يكن لقوله فأبواه يهودانه معنى فإنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها وعلى هذا القول فلا فرق بين التهويد والتنصير وبين تلقي الإسلام وتعليمه وبين تعلم سائر الحرف والصنائع فإن ذلك كله واحد فيما سبق به العلم وأيضا فتمثيله ذلك بالبهيمة التي ولدت جمعاء ثم جدعت تبين أن أبويه غيرا ما ولد عليه وأيضا فقوله على هذه الملة وقوله أني خلقت عبادي حنفاء مخالف لهذا وأيضا فلا فرق بين حال الولادة وسائر أحوال الإنسان فإنه من حين كان جنينا إلى ما لا نهاية له من أحواله على ما سبق في علم الله فتخصيص الولادة بكونها على مقتضى القدر تخصيص بلا مخصص وقد ثبت في الصحيح: "أنه قيل حين نفخ الروح فيه يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد" فلو قيل كل مولود ينفخ فيه الروح على الفطرة لكان أشبه بهذا المعنى مع أن النفخ هو بعد الكتابة.

فصل: قال أبو عمر قال محمد بن نصر المروزي: "وهذا المذهب شبيه بما حكاه أبو عبيد عن ابن المبارك أنه سئل عن هذا الحديث فقال يفسره قوله الله أعلم بما كانوا عاملين قال المروزي وقد كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هنا القول ثم تركه" قال أبو عمر وما رسمه مالك في موطأه وذكر في أبواب القدر فيه من الآثار ما يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا قال شيخنا أئمة ألسنة مقصودهم أن الخلق صائرون إلى ما سبق في علم الله فيهم من إيمان وكفر كما في الحديث الآخر أن الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا والطبع الكتاب أي كتب كافرا كما في الحديث الصحيح فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد وليس إذا كان الله كتبه كافرا يقتضي أنه حين الولادة كافر بل يقتضي انه لا بد ان يكفر وذلك الكفر هو التغيير كما أن البهيمة التي ولدت جمعاء وقد سبق في علمه أنها تجدع كتب أنها مجدوعة بجدع يحدث لها بعد الولادة ولا يجب أن تكون عند الولادة مجدوعة.

فصل: وكلام أحمد في أجوبة له أخرى يدل على أن الفطرة عنده الإسلام كما ذكر محمد بن نصر عنه أنه آخر قوليه فإنه كان يقول: "أن صبيان أهل الحرب إذا سبوا بدون الأبوين كانوا مسلمين وإن كانوا معهما فهم على دينهما فإن سبوا مع أحدهما ففيه عنه روايتان" وكان يحتج بالحديث قال الخلال في الجامع أنبأنا أبو بكر المروزي أنبأنا عبد الله قال سبي أهل الحرب أنهم مسلمون إذا كانوا صغارا وإن كانوا مع أحد الأبوين وكان يحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأبواه يهودانه وينصرانه" قال وأما أهل الثغر فيقولون إذا كان مع أبويه أنهم يخيرونه على الإسلام قال ونحن لا نذهب إلى هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأبواه يهودانه وينصرانه" قال الخلال أنبأنا عبد الملك الميموني قال سألت أبا عبد الله قبل الحبس عن الصغير يخرج من أرض الروم وليس معه أبواه فقال: "إن مات صلى عليه المسلمون قلت يكره على الإسلام قال إذا كانوا صغارا يصلون عليهم أكره عليه قلت فإن كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015