وإلهيته وعزته وحكمته وعدله ورحمته فلو أسكنهم كلهم دار البقاء من حين أوجدهم لتعطلت أحكام هذه الصفات ولم يترتب عليها آثارها يوضحه، الوجه الثلاثون أن يوم المعاد الأكبر يوم مظهر الأسماء والصفات وأحكامها ولهذا يقول سبحانه: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} وقال: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} وقال: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} حتى أن الله سبحانه ليتعرف إلى عباده ذلك اليوم بأسماء وصفات لم يعرفوها في هذه الدار فهو يوم ظهور المملكة العظمى والأسماء الحسنى والصفات العلى فتأمل ما أخبر به والله ورسوله من شأن ذلك اليوم وأحكامه وظهور عزته تعالى وعظمته وعدله وفضله ورحمته وآثار صفاته المقدسة التي لو خلقوا دار البقاء لتعطلت وكماله سبحانه ينفي ذلك وهذا دليل مستقل لمن عرف الله تعالى وأسمائه وصفاته على وقوع المعاد وصدق الرسل فيما أخبروا به عن الله عنه فيطابق دليل العقل ودليل السمع على وقوعه، الوجه الحادي والثلاثون أن الله سبحانه يحب أن يعبد بأنواع التعبدات كلها ولا يليق ذلك إلا بعظمته وجلاله ولا يحسن ولا ينبغي إلا الإله وحده ومن المعلوم أن أنواع التعبد الحاصلة في دار الابتلاء والامتحان لا يكون في دار المجازاة وإن كان في هذه الدار بعض المجازاة وكمالها وتمامها إنما هو في تلك الدار وليست دار عمل وإنما هي دار جزاء وثواب أوجب كماله المقدس أن يجزي فيها الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى فلم يكن بد من دار تقع فيها الإساءة والإحسان ويجري على أهلها أحكام الأسماء والصفات ثم يعقبها دارا يجازي فيها المحسن والمسيء ويجري على أهلها فيها أحكام الأسماء والصفات فتعطيل أسمائه وصفاته ممتنع ومستحيل وهو تعطيل لربوبيته وإلهيته وملكه وعزه وحكمته فمن فتح له باب من الفقه في أحكام الأسماء والصفات وعلم اختصاصها لآثارها ومتعلقاتها واستحالة تعطيلها علم أن الأمر كما أخبرت به الرسل وأنه لا يجوز عليه سبحانه ولا ينبغي له غيره وأنه ينزه عن خلاف ذلك كما ينزه عن سائر العيوب والنقائص وهذا باب عزيز من أبواب الإيمان فيفتحه الله على من يشاء من عباده ويحرمه من يشاء، الوجه الثاني والثلاثون أنه كم لله سبحانه من حكمة وحمد وأمر ونهي وقضاء وقدر في جعل بعض عباده فتنة لبعض كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} فهو سبحانه جعل أوليائه فتنة لأعدائه وأعداءه فتنته لأوليائه والملوك فتنة للرعية والرعية فتنة لهم والرجال فتنة للنساء وهن فتنة لهم والأغنياء فتنة للفقراء والفقراء فتنة لهم وابتلى كل أحد بضد جعله متقابلا فما استقرت أقدام الأبوين على الأرض إلا وضدهما مقابلهما واستمر الأمر في الذرية كذلك إلى أن يطوي الله الدنيا ومن عليها وكم له سبحانه في مثل هذا الابتلاء والامتحان من حكمة بالغة ونعمة سابغة وحكم نافذ وأمر ونهي وتصريف دال على ربوبيته وإلهيته وملكه وحمده وكذلك ابتلاء عباده بالخير والشر في هذه الدار هو من كمال حكمته ومقتضى حمده التام، الوجه الثالث والثلاثون أنه لولا هذا الابتلاء والامتحان لما ظهر فضل الصبر والرضا والتوكل والجهاد والعفة والشجاعة والحلم والعفو والصفح والله سبحانه يحب أن يكرم أوليائه بهذه الكمالات ويحب ظهورها عليهم ليثني بها عليهم هو وملائكته وينالوا باتصافهم بها غاية الكرامة واللذة والسرور وإن كانت مرة المبادئ فلا أحلى من عواقبها ووجود الملزم بدون لازمه ممتنع وقد أجرى الله سبحانه حكمته بأن كمال الغايات تابعة لقوة أسبابها وكمالها ونقصانها لنقصانها فمن كمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015