الجرز التي لا نبات بها فيمطرها عليها فيخرج بها نباتا ويحيي بها حيوانا ويجعل فيها جزأين من الطعام والشراب والأقوات والأدوية دع ما فوق ذلك من تسخير الشمس والقمر والنجوم واختلاف مطالعها ومغاربها لإقامة دولة الليل والنهار وفصول العام التي بها نظام مصالح من عليها فإذا تأملت العالم وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع عباده فالسماء سقفه والأرض بساطه والنجوم زينته والشمس سراجه ومصالح سكانه والليل سكنهم والنهار معاشهم والمطر سقياهم والنبات غذاؤهم ودواهم وفاكهتهم والحيوان خدمهم ومنه قوتهم ولباسهم والجواهر كنوزهم وذخائرهم كل شيء منها لما يصلح له فضروب النبات لجميع حاجاتهم وصنوف الحيوانات معدة لجميع مصالحهم وذلك أدل دليل على وحدانية خالقه وقدرته فلم يكن لون السماء أزرق اتفاقا بل لحكمة باهرة فإن هذا اللون أشد الألوان موافقة للبصر حتى أن في وصف الأطباء لمن أصابه ما أضر ببصره أو كلم بصره إدمان النظر إلى الخضرة وما قرب منها إلى السواد فجعل أحكم الحاكمين أديم السماء بهذا اللون ليمسك الأبصار الراجعة فلا ينكأ فيها فهذا الذي أدركه الناس بعد الفكر والتجربة قد وجد مفروغا منه في الخلقة ولم يكن طلوع الشمس وغروبها على هذا النظام لغير علة ولا حكمة مطلوبة فكم من حكمة ومصلحة في ذلك من إقامة الليل والسكن فيه والنهار والمعاش فيه فلو جعل الله عليهم الليل سرمدا لتعطلت مصالحهم وأكثر معايشهم والحكمة في طلوعها أظهر من أن تنكر ولكن تأمل الحكمة في غروبها إذ لولا ذلك لم يكن للناس هدوء ولا قرار ولا راحة وكان الكد الدائم بتكافؤ أبدانهم وتسرع فسادها وكان ما على الأرض يحرق بدوام شروق الشمس من حيوان ونبات فصار النور والظلمة على تضادهما متعاونين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم وقوامه ونظامه وكذلك الحكمة في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة وما في ذلك من الحكمة فإن في الشتاء تفور الحرارة في الشجر والنبات فيتولد من ذلك مواد الثمار وتكيف الهواء فتنشأ منه السحاب ويحدث المطر الذي به حياة الأرض والحيوان وتشتد أفعال الحيوان وتقوى الأفعال الطبيعية وفي الربيع تتحرك الطبائع وتظهر المواد الكامنة في الشتاء وفي الصيف يسخن الهواء فتنضج الثمار ويتحلل فضول الأبدان ويجف وجه الأرض فيتهيأ للبناء وغيره وفي الخريف يصفو الهواء ويعتدل فيذهب بسورة حر الصيف وسمومه إلى أضعاف أضعاف ذلك من الحكم وكذلك الحكمة في تنقل الشمس فإنها لو كانت واقفة في موضع واحد لفاتت مصالح العالم ولما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات لأن الجبال والجدران يحجبانها عنها فاقتضت الحكمة الباهرة أن جعلت تطلع أول النهار من المشرق وتشرق على ما قابلها من وجه الغرب ثم لا تزال تغشى وجها بعد وجه حتى تنتهي إلى الغرب فتشرق على ما استتر عنها أول النهار فتأخذ جميع الجهات منها قسطا من النفع وكذلك الحكمة الباهرة في انتهاء مقدار الليل والنهار إلى هذا الحد فلو زاد مقدار أحدهما زيادة عظيمة لتعطلت المصالح والمنافع وفسد النظام وكذلك الحكمة في ابتداء القمر دقيقا ثم أخذه في الزيادة حتى يكمل ثم يأخذ في النقصان حتى يعود إلى حالته الأولى فكم في ذلك من حكمة ومصلحة ومنفعة للخلق فإن بذلك يعرفون الشهور والسنين والآجال وأشهر الحج والتاريخ ومقادير الأعمار ومدد الإجارات وغيرها وهذا وإن كان يحصل بالشمس إلا أن معرفته بالقمر وزيادته ونقصانه أمر يشترك فيه الناس كلهم وكذلك الحكمة في