لفعله وفعله مفعول وليس هو فعلا لله ولا فعلا للعبد فلزمه مفعول من غير فاعل ولعمر الله أن هذا الإلزام لازم لأبي الحسن وللجبرية فإن عندهم الإنسان ليس بفاعل حقيقة والفاعل هو الله وأفعال الإنسان قائمة لم تقم بالله فإذا لم يكن الإنسان فاعلها مع قيامها به فكيف يكون الله سبحانه هو فاعلها ولو كان فاعلها لعادت أحكامها عليه واشتقت له منها أسماء وذلك مستحيل على الله فيلزمك أن تكون أفعالا لا فاعل لها فإن العبد ليس بفاعل عندك ولو كان الرب فاعلا لها لاشتقت له منها أسماء وعاد حكمها عليه، فإن قيل فما تقولون أنتم في هذا المقام، قلنا لا نقول بواحد من القولين بل نقول هي أفعال للعباد حقيقة ومفعولة للرب فالفعل عندنا غير المفعول وهو إجماع من أهل السنة حكاه الحسين بن مسعود البغوي وغيره فالعبد فعلها حقيقة والله خالقه وخالق ما فعل به من القدرة والإرادة وخالق فاعليته وسر المسألة أن العبد فاعل منفعل باعتبارين هل هو منفعل في فاعليته فربه تعالى هو الذي جعله فاعلا بقدرته ومشيئته وأقدره على الفعل وأحدث له المشيئة التي يفعل بها قال الأشعري وكثير من أهل الإثبات يقولون: "أن الإنسان فاعل في الحقيقة بمعنى مكتسب" ويمنعون أنه محدث قلت هؤلاء وقفوا عند ألفاظ الكتاب والسنة فإنهما مملوآن من نسبة الأفعال إلى العبد باسمها العام وأسمائها الخاصة فالاسم العام كقوله تعالى: {تَعْمَلُونَ} : {تَفْعَلُونَ} : {تَكْسِبُونَ} والأسماء الخاصة: {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} : {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} : {وَيُؤْمِنُونَ} : {وَيَخَافُونَ} : {يَتُوبُونَ} : {يُجَاهِدُونَ} وأما لفظ الإحداث فلم يجيء إلا في الذم كقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من أحدث حدثا أو آوى محدثا" فهذا ليس بمعنى الفعل والكسب وكذلك قول عبد الله بن مغفل لابنه: "إياك والحدث في الإسلام" ولا يمتنع إطلاقه على فعل الخير مع التقييد قال بعض السلف: "إذا أحدث الله لك نعمة فأحدث لها شكرا وإذا أحدثت ذنبا فأحدث له توبة" ومنه قوله هل أحدثت توبة وأحدث للذنب استغفارا ولا يلزم من ذلك إطلاق اسم المحدث عليه والإحداث على فعله قال الأشعري وبلغني أن بعضهم أطلق في الإنسان أنه محدث في الحقيقة بمعنى مكتسب قلت ههنا ألفاظ وهي فاعل وعامل ومكتسب وكاسب وصانع ومحدث وجاعل ومؤثر ومنشئ وموجد وخالق وبارئ ومصور وقادر ومريد وهذه الألفاظ ثلاثة أقسام قسم لم يطلق إلا على الرب سبحانه كالبارئ والبديع والمبدع وقسم لا يطلق إلا على العبد كالكاسب والمكتسب وقسم وقع إطلاقه على الرب والعبد كاسم صانع وفاعل وعامل ومنشئ ومريد وقادر وأما الخالق والمصور فإن استعملا مطلقين غير مقيدين لم يطلقا إلا على الرب كقوله الخالق البارئ المصور وإن استعملا مقيدين أطلقا على العبد كما يقال لمن قدر شيئا في نفيه أنه خلقه قال:

ولأنت تفري ما خلقت ... وبعض القوم يخلق ثم لا يفر

أي لك قدرة تمضي وتنفذ بها ما قدرته في نفسك وغيرك يقدر أشياء وهو عاجز عن إنفاذها وإمضائها وبهذا الاعتبار صح إطلاق خالق على العبد في قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أي أحسن المصورين والمقدرين والعرب تقول قدرت الأديم وخلقته إذا قسته لتقطع منه مزادة أو قربة ونحوها قال مجاهد: "يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين" وقال الليث: "رجل خالق أي صانع وهن الخالقات للنساء" وقال مقاتل: "يقول تعالى هو أحسن خلقا من الذين يخلقون التماثيل وغيرها التي لا يتحرك منها شيء وأما البارئ فلا يصح إطلاقه إلا عليه سبحانه فإنه الذي برأ الخليقة وأوجدها بعد عدمها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015