به من الحياة ونورا لما يحصل به من الهدى والإضاءة وذلك نور وحياة زائدة على نور الفطرة وحياتها فهو نور على نور وحياة على حياة ولهذا يضرب سبحانه لمن عدم ذلك مثلا بمستوقد النار التي ذهب عنه ضوؤها وبصاحب الصيب الذي كان حظه منه الصواعق والظلمات والرعد والبرق فلا استنار بما أوقد من النار ولا حيي بما في الصيب من الماء ولذلك ضرب هذين المثلين في سورة الرعد لمن استجاب له فحصل على الحياة والنور ولمن لم يستجب له وكان حظه الموت والظلمة فأخبر عمن أمسك عنه نوره بأنه في الظلمة ليس له من نفسه نور فقال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} ثم ذكر من أمسك عنه هذا النور ولم يجعله له فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} وفي المسند من حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهذه الظلمات ضد الأنوار التي يتقلب فيها المؤمن فإن نور الإيمان في قلبه ومدخله نور ومخرجه نور وعلمه نور ومشيته من الناس نور وكلامه نور ومصيره إلى نور والكافر بالضد، ولما كان النور من أسمائه الحسنى وصفاته كان دينه نورا ورسوله نورا وكلامه نورا وداره نورا يتلألأ والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين ويجري على ألسنتهم ويظهر على وجوههم وكذلك لما كان الإيمان واسمه المؤمن لم يعطه إلا أحب خلقه إليه وكذلك الإحسان صفته وهو المحسن ويحب المحسنين وهو صابر يحب الصابرين شاكر يحب الشاكرين عفو يحب أهل العفو حي يحب أهل الحياء ستير يحب أهل الستر قوى يحب أهل القوة من المؤمنين عليم يحب أهل العلم من عباده جواد يحب أهل الجود جميل يحب المتجملين بر يحب الأبرار رحيم يحب الرحماء عدل يحب أهل العدل رشيد يحب أهل الرشد وهو الذي جعل من يحبه من خلقه كذلك وأعطاه من هذه الصفات ما شاء وأمسكها عمن يبغضه وجعله على أضدادها فهذا عدله وذاك فضله والله ذو الفضل العظيم.
فصل: وأما جعله القلب قاسيا فقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} والقسوة الشدة والصلابة في كل شيء يقال حجر قاس وأرض قاسية لا تنبت شيئا قال ابن عباس: "قاسية عن الإيمان" وقال الحسن: "طبع عليها" والقلوب ثلاثة: قلب قاس وهو اليابس الصلب الذي لا يقبل صورة الحق ولا تنطبع فيه وضده القلب اللين المتماسك وهو السليم من المرض الذي يقبل صورة الحق بلينه ويحفظه بتماسكه بخلاف المريض الذي لا يحفظ ما ينطبع فيه لميعانه ورخاوته كالمائع الذي إذا طبعت فيه الشيء قبل صورته بما فيه من اللين ولكن رخاوته تمنعه من حفظها فخير القلوب القلب الصلب الصافي اللين فهو يرى الحق بصفائه ويقبله بلينه