فالمعتدي على النفس أو المال أو البضع (العرض) يسميه العلماء صائلاً، ودفع الصائل بما يندفع به مشروع، ويُدفع بالأخف فما فوقه والأخف كالزجر والتهديد, ويختلف حكم دفع الصائل باختلاف ما يريد الاعتداء عليه، فإن كان يريد أخذ المال فدفعه جائز لا واجب، والمُعتدى عليه مُخيَر بين أن يدفع عن ماله، وبين أن يعطيه المال، وكذا في الدفع عن النفس، وأما في الدفع عن البضع (العرض) فقد قال كثير من العلماء بوجوب الدفع، ومما ينبغي أن يُعلم أن الواجب دفع الصائل بالأخف فالأخف، فلا يجوز قتله إن كان يندفع بما دون ذلك. فإن لم يمكن دفعه إلا بالقتل جاز قتله، ولا إثم على القاتل.
فإذا صال عليك إنسان يريد قتلك أو أخذ مالك أو انتهاك عرضك أو قتل معصوم أو أخذ ماله أو انتهاك عرضه فإنك تدفعه بالأسهل فالأسهل فإن لم يندفع إلا بالقتل فلك قتله والله عز وجل هو الذي سلَط الصائل على العبد بسبب ذنوبه ولا يظلمُ ربَك أحداً وإن كان هذا الصائل أحياناً ظالماً مُستحقاً للعقوبة. فحق الله سبحانه الاستغفار وحق الصائل المُدافعة.
- الله عز وجل قد شرع دفع الصائل ومدافعة الشر.
- الله عز وجل قد شرع مكافأة المُحسن إلينا بالمعروف.
- لا مانع من مباشرة الأسباب لكن المحظور أو الممنوع أن يلتفت إليها، ويظن
بها التأثير المستقل، فالمسبب هو الله -سبحانه وتعالى-، وهو النافع الضار.
- يجب على المسلم فعل الأسباب المشروعة المقدور عليها لتحقيق المراد فإن
أتت الأمور على ما يريد حمد الله وإن أتت على خلاف ما يريد تعزَى بقدر الله وعلم أن ذلك كله وقع بقدر الله وخيرة الرب لعبده خيرٌ من خيرة العبد لنفسه.
وإذا جاءت أقدار الله على خلاف ما يُريد المسلم وقد بذل الأسباب المشروعة لتحقيق المراد فليقل قدر الله وما شاء فعل ولا يسترسل مع أحزانه ويعلم أن ربه قضى ما هو خير له ولو بعد حين ولو لم يدركه عقله في الحال.
- الأخذ بالأسباب لا يعارض الإيمان بالقدر:
المسلم مأمور بأن يأخذ بما قدر عليه من الأسباب الحسية، فيشغل جوارحه بما وظيفتها الاشتغال به وهو السعي والحركة، ويكون قلبه معلقا بربه لا بغيره عالما أنه لا يصيبه إلا ما قدره له وقضاه، ولذلك قيل في تعريف التوكل كما في مدارج السالكين: إنه سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون. ومعناه أن القلب يسكن فلا يتعلق بغير الله ولا يتوجه إلى غيره تفويضا له سبحانه وعلما أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأما الجوارح فإنها تضطرب وتتحرك في السعي لا تفتر عن ذلك ركونا إلى القدر السابق فإن هذا هو العجز والحمق، والعاقل الكيس لا يعارض بين القدر السابق والأخذ بالأسباب فإن الأسباب والمسببات من قدر الله تعالى، بل يتبع وصية النبي صلى الله عليه وسلم القائل: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا