عليه طاعته، فإذا كان الظلم ليس إلا هذا أو هذا، امتنع الظلم منه. وإما أن يقال: هو ممكن لكنه سبحانه لا يفعله لغناه وعلمه بقبحه، ولإخباره أنه لا يفعله، ولكمال نفسه يمتنع وقوع الظلم منه، إذ كان العدل والرحمة من لوازم ذاته، فيمتنع اتصافه بنقيض صفات الكمال التي هي من لوازمه على هذا القول، فالذي يفعله لحكمة اقتضت ذلك، كما أن الذي يمتنع من فعله لحكمة تقتضي تنزيهه عنه. اهـ.
وقال ابن القيم في (الفوائد): زعمت طائفة أن العدل هو المقدور والظلم ممتنع لذاته، قالوا: لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير، والله له كل شيء فلا يكون تصرفه في خلقه إلا عدلا .... وأما أهل السنة فالظلم عندهم هو وضع الشيء في غير موضعه كتعذيب المطيع ومن لا ذنب له، وهذا قد نزه الله نفسه عنه في غير موضع من كتابه. اهـ. بتصرف يسير.
فالظلم لغة هو وضع الشيء في غير موضعه كما ذكرنا، وقد تمدح الله بنفي الظلم عن نفسه ونزه نفسه عنه لكمال عدله وحكمته تبارك وتعالى، وأما التأويل المذكور القائل بأن معنى الظلم مقصور على: (التصرف في ملك الغير، أو مخالفة من تجب طاعته) كما تقوله بعض المذاهب فيكون الظلم ممتنعاً لذاته على الله. فغير صحيح في اللغة ولا في المعنى، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وَأَمَّا مَنْ قَالَ: هُوَ ـ أي الظلم ـ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ وَلَا مُنْعَكِسٍ، فَقَدْ يَتَصَرَّفُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِحَقٍّ وَلَا يَكُونُ ظَالِمًا، وقد يتصرف في ملكه بغير حق فيكون ظالما. انتهى.
وفي الحديث " ياعبادي إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ عَلَى نَفسِي" أي منعته مع قدرتي عليه، وإنما قلنا: مع قدرتي عليه لأنه لو كان ممتنعاً على الله لم يكن ذلك مدحاً ولا ثناءً، إذ لايُثنى على الفاعل إلا إذا كان يمكنه أن يفعل أو لا يفعل.
فلو سألنا سائل مثلاً وقال: هل يقدر الله أن يظلم الخلق؟
فالجواب: نعم، لكن نعلم أن ذلك مستحيل بخبره، حيث قال: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ... [الكهف:49] وأيضاً مستحيل لكمال عدله.
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ مبينا وجه نفي الظلم عن الله تعالى: قد اتفق أهل الأرض والسماوات على أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَدْلٌ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، حَتَّى أَعْدَاءَهُ الْمُشْرِكِينَ الْجَاحِدِينَ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ، فَإِنَّهُمْ مُقِرُّونَ لَهُ بِالْعَدْلِ وَمُنَزِّهُونَ لَهُ عَنِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَدْخُلُونَ النَّارَ وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِعَدْلِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ {الملك: 11} وَقَالَ تَعَالَى: يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ {الأنعام: 130} فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُهْلِكُ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ، وقد