وعلى هذا فالمكتوب من أعمال العباد الاختيارية واقع لا محالة , لا, لأن المكتوب جبر للعبد بل لأن المكتوب فرع عن علم الله المُطلق المُحيط بخلقه.
- الله سبحانه منزهٌ عن الشر والشر هو الظلم والظلم هو وضع الشيء في غير
محله فإذا وُضع في محله لم يكن شراً, فعُلم أن الشر ليس إليه وأسماءه الحسنى تشهد بذلك والله تبارك وتعالى منزهٌ عن نسبة الشر إليه بل كل ما نسب إليه فهو خير والشر إنما صار شراً لانقطاع نسبته وإضافته إليه، وإيجاد الله للعقوبة على ذنب لا يُعد شراً له بل ذلك عدل منه تعالى وتمكين الله بعض خلقه لفعل الشر وإذنه الكوني به ومشيئته لها هو خير باعتبار حكمة الله ومآلات هذا الإذن الكوني والله له الحكمة البالغة التي يُحمد عليها فهو خير وحكمة ومصلحة علمها من علمها وجهلها من جهلها وإن كان وقوع هذا الفعل السيء والظلم من العبد يُعد عيباً ونقصاً وشراً في حقه فسبحان من يُولَي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون.
- ليس في القدر شر وإنما الشر في المقدور والشر ليس في فعل الله وتقديره
وإنما الشر في مفعولات الله لا في فعله والله تعالى لم يقدر هذا الشر إلا لخير وهذه المفعولات والمخلوقات هي شر من وجه وخير من وجه آخر فتكون شراً بالنظر إلى ما يحصل منها من الأذية ولكنها خير بما يحصل فيها من العاقبة الحميدة.
- الشر لا يُنسب إلى الله تعالى فهو منزه عن الشر ولا يفعل إلا الخير والقدر من
حيث نسبته إلى الله لا شر فيه بوجه من الوجوه فإنه علم الله وكتابته ومشيئته وخلقه وذلك خير محض فالشر إنما هو في المقضي لا في القضاء وفي مفعولات الله لا في أفعاله عز وجل.
- حكم وصف الله عز وجل بأفعال خلقه السيئة باعتبار أنه خالقها:
لا يجوز وصف الله عز وجل بأفعال خلقه السيئة وإن كان خالقها. قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم "وكونُه خَلَقَ أفعالَ العباد وفيها الظلم لا يقتضي وصفه بالظلم سبحانه وتعالى، كما أنَّه لا يُوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد، وهي خَلْقُهُ وتقدِيرُه، فإنَّه لا يُوصَف إلاَّ بأفعاله، لا يوصف بأفعال عباده، فإنَّ أفعالَ عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا يوصف بشيء منها، إنَّما يوصف بما قام به مِن صفاته وأفعاله، والله أعلم" ... انتهى.
ثم إن الله عز وجل قد تبرأ من الشرك والظلم والكفر وأهله فلذلك توعد الكفار والمشركين والظالمين بالعذاب يوم القيامة , ولكنه قد شاء الكفر والظلم في الحياة الدنيا لحكم ومصالح من وراء ذلك , وفرق بين فعل الله سبحانه وبين ما هو مفعول مخلوق له، وليس في مخلوقه ما هو ظلم منه وإن كان بالنسبة إلى فاعله الذي هو المخلوق هو ظلم، كما أن أفعال الإنسان هي بالنسبة إليه تكون سرقة