والأغرب من ذلك أن يتوارد في كلتا القصيدتين على رويّ واحد وبحر واحد دون أن يتذكر تناقضه العجيب!
ولكن شوقي لا يفوته أن يعتذر عن هذا التناقض بين أمس واليوم، فالذي يهمه هو أن يظل الحكم في آل محمد علي لا فرق بين واحد وواحد منهم. لذلك يرى من الوفاء أن ينصر كل ذي سلطان يقوم من أبناء إسماعيل:
أأخون إسماعيل في أبنائه ... ولقد ولدت بباب إسماعيلا!
وهكذا كان موقف شوقي من الأتراك فهو بدافع من عرقه التركي يرى الخلافة لا تصلح إلا لهم، ويؤيد سياسة عبد الحميد فيعتبر عهده عهد الرحمة والعدالة والخير، إلاّ أنه لا يرى بأساً أن تنتقل الخلافة إلى أخيه محمد رشاد بعد ذلك، فيبايع هذا ويمدح الدستوريين الذين خلعوا عبد الحميد!. . لأن المهم في نظره أن يبقى السلطان للأتراك، ولذلك نقم شوقي أول الأمر من الشريف حسين لثورته وتعاونه مع الإنكليز، ولما ألغى مصطفى كمال الخلافة خشي أن توسد إلى الشريف حسين، فأخذ يحذر المسلمين من ذلك، ويصف الشريف حسيناً بالمعجز والإضرار للمسلمين:
لا تبذلوا برد النبي لعاجز ... عزل يدافع دونه بالراح
بالأمس أوهى المسلمين جراحة ... واليوم مدّ لهم يد الجراح
وعلى الرغم من انقطاع علاقة الأتراك بمصر والبلاد العربية ظل شوقي متصل القلب بهم يراقب حوادثهم، وبهذا الحافز اندفع إلى مدح مصطفى كمال عند انتصاره على اليونان، بقصيدة عارض بها (عمورية) أبي تمام، فكانت صورة عن عواطفه نحو الأتراك، وترجماناً عن شعوره العميق بالأخوة الإسلامية التي لا تفرق بين جنس وجنس:
الله أكبر كم في الفتح من عجب! ... يا خالد الترك جدد خالد العرب
يوم كبدر فخيل الحق راقصة ... على الصعيد وخيل الله في السحب
غر تظللها غراء وارفة ... بدرية العود والديباج والعذب