أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهُوَ أَيْضًا نِدَاءٌ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 2] قَالَ: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا} [الأنبياء: 89] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ} [آل عمران: 38]: وَمَعْنَى " رَبِّ " يَا رَبِّ فَثَبَتَ أَنَّ الدُّعَاءَ نِدَاءٌ، وَالنِّدَاءَ دُعَاءٌ ثم أَنَّ لَهُ أَرْكَانًا وآداباً فمن أركانه: أَنْ يَكُونَ الْمَرْغُوبُ فِيهِ مِمَّا يَبْلُغُ قَدْرُ السَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَهُ، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَدْعُو اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يَحْيَي الْمَوْتَى، وَلَا أَنْ يَتَشَبَّهَ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] وَلَا أَنْ يَتَشَبَّهَ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولَ: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: 114] وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ تَعَالَى إِنْزَالَ مَلَكٍ عَلَيْهِ فَيَسْأَلَهُ عَنْ خَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، أَوْ إِحْيَاءَ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّ نَقْضَ الْعَادَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِتَأْيِيدِ مَنْ يَدْعُو إِلَى دِينِهِ، لَا لِشَهَواتِ الْعِبَادِ وَمُنَاهُمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ نَبِيًّا فَيَجْمَعُ إِجَابَتَهُ إِيَّاهُ أُمْنِيَّتَهُ وَتَائِيدَهُ بِمَا يُصَدِّقُ دَعَوْتَهُ، وَلَكِنَّهُ إِنْ دَعَا كَمَا دَعَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] جَازَ، وَإِنَّمَا يَبْعَثُهُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَعْدَاءِ اللهِ؛ وَكَذَلِكَ إِنْ حَدَثَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ مِنْ جُوعٍ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي بَادِيَةٍ هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي دُخُولِهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، أَوْ أَصَابَهُ عَمًّى وَلَا قَائِدَ لَهُ فَدَعَا اللهَ أَنْ يَكْشِفَ مَا بِهِ الضُّرُّ مُطْلَقًا، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَإِنْ كَانَ فِي إِصَابَتِهِ إِيَّاهُ نَقْضُ الْعَادَةِ، وَقَدْ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَسْئَلَتِهِ جَزَاءً لَهُ لِتَوَكُّلِهِ وَقُوَّةِ إِيمَانِهِ. قَالَ وَمِنْ أَرْكَانِهِ: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ فِي سُؤَالِ مَا يَسْئَلُ حَرَجٌ. وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي السُّؤَالِ غَرَضٌ صَحِيحٌ.