ومنْ معاني عاشوراءَ أنَّ حَبْلَ الإيمانِ ممدود ومعقودٌ بينَ المؤمنينَ رغمَ فوارقِ الزمانِ وفواصلِ المكان .. فنحنُ اليومَ نصومُ عاشوراءَ لأنَّ موسى عليهِ السلامُ صامَهُ .. ولأنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم جدَّدَ صيامَه.
ونحنُ اليومَ نشكرُ الله على نُصرةِ المؤمنينِ السابقين، ونسألهُ أنْ ينصرَ المؤمنينَ اللاحقين، وما أحرى المسلمُ بالدعاءِ- في كلِّ حين- والدعاءُ جيشٌ يمكنُ أنْ ينصرَ اللهُ بهِ المؤمنين، والدعاءُ جيشٌ يقوِّضُ دعائمَ الكافرينَ ويحطِّمُ عروشَهم. ولا سيما إنْ كانَ صائمًا - أنْ ينصرَ دينَهُ وأنْ يخذلَ أعداءه، فذلكَ شعورٌ واعٍ لهذا اليومِ بأحداثِهِ وعِبَرِه، وذلك استثمارٌ أمثلُ لهذه المناسبة.
ويُعلِّمنا عاشوراءُ- فيما يُعلِّمُنا- أنْ لا يأسَ ولا إحباطَ عندَ المسلمِ مهما ادْلهمَّتِ الخُطوبُ، ومهما تجبّرَ العدوُّ وحشدَ قُواه، فالنصرُ منْ عندِ الله، والهزيمةُ طَوْعُ قدرتِه، وحينَ تستحكمُ الحلقاتُ ويصدقُ المؤمنونَ معَ ربِّهم، يُهيءُ لهمْ منْ أسبابِ النصرِ ما لمْ يصنعوه، ويُؤْخذُ المستكبرونَ الظالمونَ منْ حيثُ لمْ يحتسِبوا.
أجلْ، إنَّ لله جنودًا في الأرضِ وجنودًا في السماء، وقدْ يتجاوزُ الظالمُ المعتدي حدودَ البَرِّ فيكونُ البحرُ نهايتَه {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} (?) وقدْ يعجزُ البشرُ عن مقاومتهِ فيتولَّى ربُّ البشرِ أخذَهُ وتحطيمَ قواه.
كمْ نحنُ بحاجةٍ- يا مسلمون- إلى اليقينِ بنصرةِ اللهِ لأوليائِهِ المتَّقين.
وكمْ نحنُ بحاجةٍ إلى التوكُّلِ لا إلى التواكُل.
نحتاجُ إلى شجاعةٍ دونَ تهوُّرٍ، وشجاعةُ القلبِ مرتبطةٌ بتصوُّرِ عظمةِ اللهِ وقُدْرته، وإلى إيمانٍ لا مجردَ أمانٍ، وإلى إعدادٍ لا مجردَ جَعْجَعة، وإلى صدقٍ