بعدُ: فإنهُ قدْ بلَغَنا أنَّ صاحبكَ قدْ جفاك، ولمْ يجعلْكَ اللهُ بدارِ هَوَانٍ ولا مَضْيَعةٍ، فالْحَقْ بنا نُواسِكَ، قالَ (كعب): فقلتُ حينَ قرأتُها: وهذهِ أيضًا منَ البلاء، فَتَيامَمْتُ بها التَّنورَ فَسَجَرْتُها بها (?).
وما أحوجَنا في مثلِ هذهِ الأزمانِ إلى مثلِ صنيعِ كعب، حيثُ أحرقَ مودَّتهمْ معَ حاجتهِ إليهم، حيثُ يحرصُ الأعداءُ على خلخلةِ المجتمعِ المسلمِ والتدسسِ بينَ أفراده، ويظهرونَ أنهمْ ناصحونَ مواسونَ يدافعونَ عنِ المسلمينَ واللهُ أعلمُ بما يُريدون، ولقدْ كانَ ردُّ كعبٍ مميتًا لفتنةٍ وقاضيًا على طمعِ الكفارِ في المسلمين، فقدْ جاءَ عنْ كعبٍ في روايةِ ابنِ أبي شيبةَ قوله (كعب): إنا لله، قد طمعَ فيَّ أهلُ الكفر (?). وعندَ ابنِ عائذ أنَّ كعبًا شكا أمرَهُ إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم وقال: ما زالَ إعراضُكَ عني حتى رغبَ فيَّ أهلُ الشِّركِ (?).
قالَ ابنُ حجر معلقًا: ودلَّ صنيعُ كعبٍ هذا على قوةِ إيمانهِ ومحبتهِ للهِ ولرسوله، وإلا فمنْ صارَ في مثلِ حالهِ منَ الهجرِ والإعراض، قدْ يضعفُ عنِ احتمالِ ذلك، وتحمِلُهُ الرغبةُ في الجاهِ والمالِ على هُجرانِ منْ هجَرَه، ولا سيما معَ أمنهِ منَ الملكِ الذي استدعاهُ إليهِ أنهُ لا يُكرههُ على فراقِ دينهِ، لكنْ لما احتملَ عندَهُ أنهُ لا يأمَنُ من الافتتان، حسمَ المادةَ وأحرقَ الكتابَ ومنعَ الجواب (?).
وهكذا يكونُ المؤمنُ صادقًا في ولائهِ معَ المؤمنين، وفي عداوتهِ وبراءتهِ منَ