هذا التراجعُ المُذلُّ منَ المنافقينَ اختلافًا بينَ المؤمنينَ في التعاملِ مع المنافقينَ. فرقةٌ تقولُ: نقتلُهم، والأخرى تقولُ: لا نقتلُهم، فأنزلَ اللهُ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} (?)، وحينَها قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنها طيبةُ» وإنها تنفي الخبثَ كما تنفي النارُ خَبَثَ الفضةِ» (?).
أما المنافقونَ فقدْ ظنوا باللهِ الظنونَ السيئةَ وكشفَ القرآنُ خبيئَتَهم فقالَ تعالى: {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ} (?)، وحينَ انكشفَتِ المعركةُ وأصيبَ منْ أصيبَ منَ المؤمنينَ تشفّى المنافقونَ وسُرُّوا لمصابِهم، واشتركوا معَ اليهودِ في المشاعرِ الفاسدةِ، قالَ ابنُ حجرٍ: «حينَ بكَى المسلمونَ على قتلاهُم سُرَّ المنافَقونَ، وَظَهرَ غشُّ اليهودِ، وفارت المدينةُ بالنفاقِ، فقالَت اليهودُ: لو كانَ نبيًا ما ظهروا عليهِ -يعني المشركينَ- وقالَ المنافقونَ: لو أطاعونا ما أصابَهم هذا؟ (?).
بلْ جعلوا يقولونَ لأصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لو كانَ منْ قُتِلَ منكُمْ عندَنا ما قُتِلَ، وهم يهدفونَ إلى تفريقِ المؤمنينَ والتخذيلِ عن صحابة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأنَّى لهم ذلكَ معَ قومٍ قالوا لمَنْ قالَ لهُمْ: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (?).