المواجهاتِ مع النصارى، ولكنّ المسلمين أبلَوْا فيها بلاءً حسنًا، حتى تم النصرُ لهم.
وعجِبَ النصارى من تفوّق المسلمين عليهم، وقال هرقلُ لمنهزمةِ الروم: ويلَكُم أخبروني عن هؤلاءِ القومِ الذين يُقاتلونكم، أليسوا بشرًا مثلَكم؟ قالوا: بلى، قال: فأنتم أكثرُ أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثرُ منهم أضعافًا في كلِّ موطنِ. قال: فما بالُكُم تنهزمون؟ قال شيخٌ عظيمٌ منهم: من أجلِ أنهم يقومونَ الليلَ ويصومونَ النهارَ، ويوفونَ بالعهدِ، ويأمرون بالمعروفِ وينهون عن المنكرِ، ويتناصفون بينَهم، ومن أجل أنّا نشربُ الخمرَ، ونزني، ونركبُ الحرامَ، وننقضُ العهدَ، ونغضبُ ونظلِمُ ونأمرُ بالسّخطِ، وننهى عما يُرضي اللهَ، ونُفسدُ في الأرضِ، فقال هرقل: أنتَ صدقتني (?).
وكذلك حين يَصدقُ المسلمون مع أنفسِهم ويتمسّكوا بإسلامهم يُنصَروا.
إخوة الإسلام: واستمرتِ الجبهةُ النصرانيةُ في زمن الدولةِ الأمويةِ والعباسيةِ من أشدّ جبهاتِ الأعداءِ في مواجهةِ المدِّ الإسلاميِّ، ولم يتمكّنِ المسلمون من نشرِ دينِ اللهِ في ممالِك النصارى وغيرِها إلا بعد أن قدّموا عددًا من الشهداءِ، وتناثرتِ الجُثثُ في البَرِّ والبحر، والويلُ للمسلمين حين يَظفرُ بهمُ النصارى، وفي زمن عمر بن عبد العزيز رحمه الله - مثلًا - يروى أنه أرسل سريةً إلى بلد الروم وفيها ثلاثةُ إخوةٍ من أشعِ الناسِ، فقتَلوا في الروم مَقتلةً عظيمةً، ثم إنهم أُسروا ثلاثتُهم، وعَرضَ عليهمُ الملكُ التنصّرَ فأبَوْا، فأحرقَ اثنين واستبقى واحدًا وأعطاه لبعض بطارقتِه لينصِّرَه، فأسلم به هو وزوجتُه وولدُه، فَخَدّ لهمُ الملكُ - لما سمع بهم - أُخدودًا وطرحهم فيه، فأماتَهُم اللهُ عز وجل قبل أن يَصلوا إلى النار (?).