ولا أدق من وصف المسنِّ لنفسه، وقد سأل الحجاجُ رجلًا من بني ليثٍ قد بلغ سنًا كبيرةً، قال: كيف طُعْمُك؟ قال: إذا أكلتُ ثَقُلتُ، وإذا تركت ضَعُفتُ، قال: كيف نكاحُك؟ قال: إذا بُذل لي عجزت، وإذا مُنعت شرهت، قال: كيف نومُك؟ قال: أنام في المجمع، وأسهر في المضجع، قال: كيف قيامُك وقعودُك؟ قال: إذا أردت الأرض تباعدت منّي، وإذا أردت القيام لزمتني، قال: كيف مشيتُك؟ قال: تعقلني الشعرة، وأعثر بالبعرة. هذه صفة أرذلِ العمر (?).
وأرذل العمر أخسُّه وأدونُه وآخره - كما ذكر المفسرون - قالوا: وإنما خصّه اللهُ بالرذيلة؛ لأنه حالةٌ لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد (?).
وهنا لفتةٌ تستحق الانتباه، فقد قيل: إن الإيمان وعمل الصالحات في الصغر قد يمنع الردَّ إلى أرذل العمر في الكبر.
قال القرطبي رحمه الله: إن هذا لا يكون للمؤمن - يعني الخرف والرد إلى أرذل العمر - لأن المؤمن لا يُنزع عنه علمه (?).
وقال الشنقيطي رحمه الله: إن العلماء العاملين لا ينالهم هذا الخرفُ وضياعُ العلمِ والعقل من شدة الكبر، ويستروح لهذا المعنى من بعض التفسيرات في قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (?). إلى قوله: وقد تواتر عند العامة والخاصة أن حافظ كتاب الله المداوم على تلاوته لا يُصاب بالخرف ولا بالهذيان (?).